التي لها ومن أجلها حرمها.
ثم بين تعالى تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآي المتقدمة بقوله:
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم، وقال في الآية: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير، فخبر أن الإثم في الخمر وغيرها وأنه حرام وذلك أن الله تعالى إذا أراد أن يفرض فريضة أنزلها شيئا بعد شئ حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى أمر الله ونهيه فيها وذلك من فعل الله تعالى، ووجه التدبير والصواب لهم ليكونوا أقرب إلى الأخذ بها وأقل لنفارهم منها. فقال المهدي: هذه والله فتوى هاشمية.
فصل:
وروي أنه شرب قدامة بن مظعون الخمر في عهد عمر فأراد أن يحده فقال له قدامة: إنه لا يجب علي الحد لأن الله تعالى يقول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، فدرأ عنه الحد فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فأتى المسجد وفيه عمر فقال له: لم تركت إقامة الحد على قدامة في شربه الخمر؟ فقال: تلا علي آية وتلاها عمر، فقال له أمير المؤمنين ع: ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، إن الذين آمنوا لا يستحلون حراما، فاردد قدامة واستتبه مما قال فإن تاب فأقم عليه الحد وإن لم يتب فاقتله فقد خرج من الملة، فعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة.
والآية إنما أنزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره، فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات أي ليس عليهم إثم وحرج فيما طعموا من الحلال. وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب، وقوله ثم اتقوا وآمنوا، أي اتقوا شربها بعد التحريم " ثم اتقوا " أي داموا على الاتقاء، فالاتقاء الأول من الشرب والاتقاء الثاني هو الدوام عليه والاتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي وضم الإحسان إليه.