" ولا عاد " أي لا يعتدي بتجاوز ذلك إلى ما حرمه الله، والضرورة التي تبيح أكل الميتة هي خوف التلف على النفس من الجوع، وقد استدل قوم بهذه الآية على إباحة ما عدا هذه الأشياء المذكورة، وهذا ليس بشئ لأن هنا محرمات كثيرة غيرها كالسباع وكل ذي ناب وكل ذي مخلب وغير ذلك من البهائم والمسوخ مثل الفيلة والقردة، ويمكن أن يستدل بهذه الآية على تحريم الانتفاع بجلد الميتة فإنه دخل تحت التعدي.
فصل:
وقوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، أخبر تعالى أنه حرم على اليهود في أيام موسى ع كل ذي ظفر. قال ابن عباس: إنه كل ما ليس بمنفرج الأصابع كالإبل والنعام والبط والإوزة.
وأخبر تعالى أيضا أنه كان حرم عليهم شحوم البقر والغنم مما في أجوافهما واستثنى من ذلك بقوله: إلا ما حملت ظهورهما، فإنه لم يحرمه واستثنى أيضا ما على الحوايا من الشحم فإنه لم يحرمه واستثنى أيضا من جملة ما حرم ما اختلط بعظم وهو شحم الجنب والألية لأنه على العصعص، وهذه الأشياء وإن كانت محرمة في شرع موسى ع فقد نسخ الله تحريمها وأباحها على لسان محمد ص.
ثم قال تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم، معناه إنا حرمنا ذلك عليهم عقوبة لهم على بغيهم، فإن قيل: كيف يكون التكيف عقابا وهو تابع للمصلحة ومع ذلك فهو تعريض للثواب؟ قلنا: إنما سماه عقوبة لأن عظيم ما أتوه من المعاصي اقتضى تحريم ذلك فيه عقوبة وتعيين المصلحة وحصول اللطف، ولولا جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك. " وإنا لصادقون " يعني فيما أخبر به من أن ذلك عقوبة لأوائلهم ومصلحة لمن بعدهم إلى وقت النسخ، والصحيح أن تحريم ذلك لما كان مصلحة عند هذا الإقدام منهم جاز أن نقول حرم عليهم بظلمهم، لما روي أن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.