يخاف على نفسه مثل المضطر.
فصل:
وقال تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم عليه فإن ربك غفور رحيم، أمر الله نبيه ع أن يقول لهؤلاء الكفار أنه لا يجد فيما أوحي الله إليه شيئا محرما إلا هذه الثلاثة، وقيل: إنه خص هذه الأشياء الثلاثة بذكر التحريم مع أن غيرها محرم مما ذكره تعالى في المائدة كالمنخنقة والموقوذة لأن جميع ذلك يقع عليه اسم الميتة وفي حكمها، فبين هناك على التفصيل وهنا على الجملة.
وأجود من ذلك أن يقال: خص الله هذه الثلاثة تعظيما لتحريمها وبين ما عداها في موضع آخر، وقيل: إنه تعالى خص هذه الأشياء بنص القرآن وما عداه بوحي غير القرآن، وقيل: إن ما عداه حرم فيما بعد بالمدينة والسورة مكية.
والدم المسفوح هو المصبوب، وإنما خص المسفوح بالذكر لأن ما يختلط منه باللحم مما لا يمكن تخليصه منه لقلته معفو مباح، وقال قوم: إنما قال " مسفوحا " لأن الكبد يشبه الدم الجامد وإن لم يكن دما وليس بحرام، فذكر المسفوح ليبين الحلال من الحرام، فأما الطحال فإنه إذا ثقب وطرح في الماء فيسيل كله لأنه دم وهو حرام.
وقوله: أو لحم خنزير، فإنه وإن خص لحمه بالذكر هنا فإن جميع ما يكون منه من الشحم والجلد والشعر محرم، " فإنه رجس " يعني ما تقدم ذكره ولذلك كنى عنه بكناية الذكر، والرجس كل مستقذر منفور عنه، وقوله " أو فسقا " عطف على قوله " أو لحم خنزير "، والمراد بالفسق ما أهل لغير الله به، وكان ابن عباس وعائشة يتعلقان بظاهر هذه الآية في إباحة لحوم الحمير.
ثم قال: فمن اضطر غير باع ولا عاد، قيل فيه قولان: أحدهما غير طالب بأكله التلذذ والثاني غير قاصد لتحليل ما حرمه الله، وروى أصحابنا أن المراد به الخارج على الإمام العادل وقطاع الطريق فإنهم لا يرخصون لذلك على حال.