الطبري وغيره: هو الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح، والأول أولى لأن الثاني يؤول تقديره إلى ما لا فائدة فيه، وهو يسألونك ما الذي هو حلال لهم؟ فقل: الذي هو حلال لكم هو الحلال، وهذا لا معنى له.
وإذا كان المراد بالذي أحل المستلذ حسن أن يقال: إن الأشياء التي حرمت غير مستلذة لأنه لا يميل كل أحد إلى الميتة، والدم أيضا ليس من طيبات الرزق. فقل لهم:
الطيبات من المأكولات محللة لكم، والضمير في " يسألونك " للمؤمنين الذين حرم عليهم ما فصل في الآية الأولى من قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير... الآية، أي يسألونك تفصيل المحللات فقل أحل لكم الطيبات. قال أبو علي: كل ما لم يجر ذكره في آيات التحريم كله حلال.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ونحوه قوله: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، إلا أن تلك الآية خطاب للمؤمنين وهذه خطاب لجميع الناس، يعني أن من آمن بالله لا يحل ولا يحرم إلا بأمره، ومن امتنع من أكل ما أحل الله فقد خالف أمره والله أحل المستلذ، فقوله " كلوا " يحتمل أن يكون إباحة وتخييرا وأمرا على الإيجاب أو الندب فالأمر في وقت الحاجة إليه إذ لا يجوز لأحد أن يترك ذلك حتى يموت مختارا مع إمكان تناوله.
والإذن على أن أكل المستلذ مما ملكتم وهو الحلال مباح لكم، وفي الآية دلالة على النهي عن أكل الخبيث في قول بعض المفسرين كأنه قيل: كلوا من الطيب دون الخبيث كما لو قال كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام، وهذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم فأما غير ذلك فلا يدل على قبح ضده لأن قول القائل: كل من مال زيد، لا يدل على أن المراد تحريم ما عداه لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة، وذكر الشرط هاهنا إنما هو على وجه المظاهرة في الحجاج.
وقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، والتحريم هو العقد على ما لا يجوز فعله للعبد والتحليل حل ذلك العقد، وذلك كتحريم السبب بالعقد على أهله فلا يجوز لهم العمل فيه وتحليله تحليل ذلك العقد وذلك يجوز لهم الآن العمل فيه.