فصل:
واختلفوا في الجوارح التي ذكرت في الآية، فقال ابن عباس: الجوارح التي في قوله: وما علمتم من الجوارح مكلبين، هو كلما علم الصيد فيتعلمه بهيمة كان أو طائرا والفهد والبازي من الجوارح، وروي ذلك عن علي بن الحسين وأبي جعفر ع أيضا.
وقال قوم: عني بذلك الكلاب خاصة دون غيرها من السباع وهو ما رواه أصحابنا عنهما ع، فأما ما عدا الكلب مما أدرك ذكاته فهو مباح وإلا فلا يحل له أكله وبهذا يجمع بين الروايتين، ويقوي قولنا قوله سبحانه: مكلبين، وذلك مشتق من الكلب أي في هذه الحال يقال: رجل مكلب وكلاب إذا كان صاحب صيد بالكلاب، وفي ذلك دليل على أن صيد الكلب الذي لم يعلم حرام إذا لم يدرك ذكاته.
وقوله تعالى: تعلمونهن مما علمكم الله معناه تؤدبون الجوارح فتعلمونهن طلب الصيد لكم بما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم به، وقيل: صفة المعلم أن يجيبه إذا دعاه ويطلب الصيد إذا أرسله عليه ولا يفر منه، ولا يأكل ما يصيده على العادة بل يمسكه إلى أن يلحقه صاحبه فيطعمه منه ما يريده، فإن أكل منه على العادة فغير معلم وصيده حرام إلا أن يذكى فإنه إنما أمسكه على نفسه، وهو الذي دلت عليه أخبارنا غير أنا نعتبر أن يكون أكل الكلب للصيد دائما، فأما إذا كان نادرا فلا بأس بأكل ما أكل منه.
وقال قوم: لا حد لتعلم الكلاب، فإذا فعل ما قلنا فهو معلم وقد دل على ذلك رواية أصحابنا، لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد به جاز أكل ما يقتله، وقد بينا أن صيد غير الكلب لا يحل أكله إلا ما أدرك ذكاته فلا يحتاج أن يراعى كيف يعلمه ولا أكله منه، ومن أجاز ذلك أجاز أكل ما أكل منه البازي والصقر ذهب إليه ابن عباس، وقال: تعلم البازي هو أن يرجع إلى صاحبه.
وقال قوم: تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد وهو أن يشلي على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد ويدعوه صاحبه فيجيبه، فإذا كان كذلك كان معلما وإن أكل ثلثه فكل، وقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم، يقوي قول من قال ما أكل منه الكلب لا يجوز