وكل شئ من المطعوم والمشروب يمكن الانسان اختياره عن غير إفساد له، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلاوات والحموضات، فقد روي: أنه لا يجوز بيعه بغير اختباره، فإن بيع من غير اختيار له كان البيع غير صحيح والمتبايعان فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس.
وهذه الرواية يمكن العمل بها على بعض الوجوه، وهو أن البائع لم يصفه فإذا لم يصفه يكون البيع غير صحيح، لأنه ما يعرف بمشاهدته طعمه فلا بد من وصفه، فأما إذا وصفه وضبطه بالوصف فالبيع صحيح ويعتبر فيه ما اعتبرناه في بيع خيار الرؤية في المرئيات، لأنه لا يمكن معرفته بالرؤية بل بالطعم، فإن وجد طعمه أو ريحه كما وصف البائع له فلا خيار له، وإن وجده بخلاف وصف بائعه كان بالخيار ولا دليل على بطلان هذا العقد، لأن الله تعالى قال: أوفوا بالعقود، وقال تعالى: أحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع. ويمكن أن يقال: إن بيع العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون موصوفا لأنه غير غائب فيباع بيع خيار الرؤية بالوصف فإذن لا بد من شمه وذوقه، لأنه حاضر مشاهد غير غائب فيحتاج إلى الوصف، فهذا وجه قوي.
وما لا يمكن اختباره إلا بإفساده وإهلاكه، كالبيض والبطيخ والقثاء والرمان وأشباه ذلك، فابتياعه جائز مطلقا وشرط الصحة أو البراءة من العيوب، فإن اشتراه مطلقا أو شرط الصحة ثم كسره المبتاع، فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وليس له رد الجميع واسترجاع الثمن فيما قد تصرف فيه، ولا له رد المعيب دون ما سواه، وله رد الجميع إذا لم يتصرف في جميع المبيع وقامت له بذلك بينة. فأما إذا تصرف في ذلك فليس له رده.
وإجماع أصحابنا أن المشتري متى تصرف في المبيع ثم وجد العيب فليس له الرد وله الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وكيفية ذلك هو أن يقوم ما بين قيمته صحيحا وقشره صحيح وبين كونه فاسدا وقشره صحيح، فما يثبت يرجع بمقداره من الثمن ولا يقوم مكسورا، لأن الكسر نقص حدث في يد المشتري فلا يرجع بجنايته وحدثه على غيره، هذا فيما كان لفاسده ومكسوره بعد كسره قيمة. فأما إذا لم يكن لفاسده ومكسوره قيمة بعد