ومن طريق الأصحاب، ما رواه معاوية بن وهب قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى " (1) ومثله روى صفوان، عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يجوز أن يراد بذلك الوجوب لما سبق من جواز الاقتصار على المرة، فتعين الاستحباب.
ويؤيده رواية زرارة وبكير " أنهما سألا أبا عبد الله عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، قلت: الغرفة الواحدة تجزي الوجه؟ قال: نعم إذا بالغت فيها والاثنتان تأتيان على ذلك كله " (2) ولأن الغسلة الواحدة ربما تطرق إليها الخلل، فتكون الثانية استظهارا.
وأما كون الثالثة بدعة، فلأنها ليست مشروعة، فإذا اعتقد التشريع أثم، ولأنه يكون إدخالا في الدين ما ليس منه، فيكون مردودا، لقوله عليه السلام: " من أدخل في ديننا ما ليس فيه فهو رد " (3) ولا نعي " بالبدعة " إلا ذلك.
واستدل الجمهور بما روي عن ابن عمر أنه قال: " توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، ثم توضأ مرتين وقال: هذا وضوء من ضاعف الله له الأجر، ثم توضأ ثالثة وقال: هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " (4).
وجوابه: إن الخبر مدني وقد اطرحه مالك ولم يصححه، وهو أمارة الضعف، ثم هو معارض بما روي ابن عباس، عنه عليه السلام " أنه توضأ مرة " (5) وبما روى أبو هريرة " أنه توضأ مرتين مرتين " (6) ولو كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو وضوء الأنبياء قبله، لما أخل به، وأيضا مع تسليمه لا يدل على استحباب الثلاث في حق غيره، لاحتمال اختصاصه بالثلاث دون غيره، كغيره من الخصائص، ولا كذا في