الفصل الأول (في وصايا نافعة) ليكن تعلمك للنجاة، لتسلم من الرياء والمراء وبحثك لإصابة الحق لتخلص عن قواطع الأهوية ومآلف النشاء وأكثر التطلع على الأقوال لتظفر بمزايا الاحتمال، واستنقض البحث عن مستند المسائل لتكون على بصيرة فيما تتخيره وعليك بالحفظ فإنه أربط للعلم، وأضبط للفهم، وداوم البحث يعطك استعدادا لتلقي النتائج النظرية بالفعل، واختر المباحث الصالح لتستفيد من خلقه ما يصير لك سجية.
ثم أوصيك إياك (والحشوية) من المتفقهة والمقلدة منهم، فربما خادعوك ليجذبوك إلى جهالتهم، وإنما يريدون جبر مقالتهم وستر ضلالتهم، ولا يغررك لو قال الحق لائح، فلا ارتياب والطريق واضح فقيم الإسهاب فإنه لا يصعب أن تجيبه بأن كل ممكن أن يعلم يصلح أن يوصف بالوضوح وإن دق طريقه وشق تحقيقه، وليس إطلاق الوضوح عليه موجبا بالفعل، فأنت إذا اعتبرت خلاف الفضلاء في المسائل الفقهية، ذلك على صعوبة الظفر إلا بعد بحث ونظر، فيتحقق أنه دلس في عبارته، ولبس في إشارته زيادة تحقيق: إن في الناس المستعبد نفسه لشهوته، المستغرق وقته في أهويته مع إيثاره الاشتهار بآثار الأبرار، واختياره الاتسام، بسير الأخيار.
أما لأن ذلك في جبلته، أو لأنه وسيلة إلى حطام عاجلته، فيثمر هذان الخلقان نفاقا غريزيا وحرصا على الرياسة الدينية طبيعيا، فإذا ظهرت لغيره فضيلة عليه خشي غلبة المزاحم، ومنافسة المقاوم، ثم يمنعه نفاقه من المكافحة، فيرسل القدح في ذي المناصحة، ويقول لو قال كذا، لكان أقوم، لو لم يقل كذا، لكان أسلم، موهما أنه أوضح كلاما وأرجح مقاما، فإذا ظفرت بمثله، فليشغلك الاستعاذة بالله من بليته عن الاشتغال بإجابته، فإنه شر الرجال، وأضر على الأمة من الدجال، كأني بكثير ممن ينتحل