العلمية وجمالها من المسائل العاطفية.
يستطيع العلماء المتخصصون من قياس الوردة، ومعرفة مكوناتها وعناصرها الطبيعية، وإعطاء أرقام صحيحة ومضبوطة عنها. أما جمال الوردة فلا يخضع للقياس. تلك الحقيقة المدهشة، والجاذبية الخاصة التي تجمع الناس حول الوردة وتبعثهم على استلطافها والتلذذ برؤيتها لا يمكن أن تخضع للفحص العلماء في المختبرات. الجمال تفهمه عواطف الإنسان، وتحسه مشاعر بني البشر، فلا يدركه العقل أو العلم، ولا الفحص والاختبار. إن المسائل العلمية هي التي تكون قابلة للفحص والقياس، وعواطف الإنسان ومشاعره تخرج من ميدان العلوم التجريبية، ولا يمكن للأجهزة والوسائل العلمية ضبطها.
ومقال آخر نلاحظه في لوحة رسام ماهر أجادت يد الفن صنعها ورسمها... إنها تقد، ر بآلاف الدنانير، وربما تصرف آلاف الساعات من العمر الثمين للأشخاص في مشاهدة تلك اللوحة والاستمتاع بجمالها. إن ما يخضع للقياس والنظر العلمي من هذه اللوحة لا يزيد على 10 غرامات من اللون الأحمر، و 100 غرام من اللون الأخضر، و 50 غرام من اللون الأزرق ممزوجة حسب مقادير معينة، وشئ من القماش والخشب... وكل ذلك لا يساوي أكثر من بضعة دراهم، غير أن في هذه اللوحة الثمينة عنصرا آخر يجعل ثمنها يرتفع إلى آلاف الدنانير، هذا العنصر ليس علميا أو عقليا وليس عنصرا كيمياويا أو مختبريا، انه لا يقاس بالأجهزة والأدوات العلمية... إنه عنصر الجمال واللطافة ، وهذا يجب أن يعرض في سوق الذوق، والطلب عليه يتمثل في العواطف والمشاعر. إن العناصر الكيمياوية والمواد الطبيعية للوحة قابلة للقياس والحساب العلمي، أما جمالها فلا يقاس في المختبرات.
إن حقيقة الإيمان الساطعة، والأخلاق الفاضلة كالايثار، والشجاعة، والكرم، والعفة، والرأفة، والمحبة وأمثالها، وكذلك السيئات الخلقية كالحسد، والتكبر، والحقد، والجشع ونظائرها من المسائل النفسية، وترتبط بمشاعر الناس وعواطفهم. إن السجايا الفاضلة والبذيئة حقائق تترك آثارها الطبيبة أو الخبيثة على روح الإنسان وجسده ومع ذلك فهي غير قابلة للقياس