الاستقرار المالي للدولة تضع الحكومة قوانين خاصة تعاقب المعتدين بموجبها. والقاضي الشريف والعادل هو الذي يراقب القانون في مقام القضاء فلا تؤثر فيه الرقة والرحمة، ولا تدفعه العواطف والوساطات نحو الانحراف عن الصراط المستقيم الذي خطته العدالة.
يتساوى الرجل الثري والقوي الذي يتصرف في أملاك الناس بصورة عدوانية، والأرملة التي تدخل دار غيرها في فصل الشتاء فرارا من سياط البرد اللاذعة بغية الحفاظ على أطفالها الأيتام، في نظر القانون وأمام محكمة القضاء. فالقاضي يعتبرهما معتدين وغاصبين ويخرجهما من الدار المغصوبة. عندما يخرج القانون هذه الأرملة وأطفالها الصغار من الدار ويسلمهم إلى البرد القارص تظهر صورة مؤلمة لعيان فتثور عواطف المارة، ويتألمون لهم، وربما أخذوهم إلى بيوتهم واعتنوا بهم. ان العدالة هي التي أخرجت المرأة المسكينة وأطفالها من الدار، والعاطفة هي التي آوتهم واعتنت بهم.
العدالة جافة وبهتة، لا تملك عاطفة ولا تفهم معنى للرقة والرحمة، تفقد الدموع والآهات، والأنين والاستغاثة أثرها في حريم القضاء. ان القاضي الناجح هو الذي يراقب تطبيق القانون وحسب. ولكن العواطف هي التي تمنحنا الدفء والحنان، وتفيض بالرقة والرحمة، هي التي تحتضن الأطفال، وتقبلهم، وتشمهم، وتناغيهم، وتذرف الدموع، وتشعر باللذة في السهر عليهم.
عندما تنعدم العدالة والقانون في المجتمع، ويفقد القاضي عنصر الصراحة والجد في تطبيق القانون، تمد أيدي الظالمين نحو حقوق الناس، ويتزلزل أساس العدالة والأمن.
وعندما تنعدم العاطفة والرأفة في المجتمع، ويتجاهل الناس معنى الرقة والرحمة، يحرم المساكين من الحنان وينهزم الضعفاء أمام حوادث الدهر. والمجتمع السعيد هو الذي ينال حظه الوافر من كلتا الطاقتين ويستفيد من العقل والعاطفة معا حسب المقياس الصحيح والمقدار الملائم.