منهما دور معين في ضمان سعادة الإنسان. ها نحن نتعرض في هذه المحاضرة إلى بعض جوانب الاختلاف بينهما بصورة موجزة.
يعتبر العقل بمثابة قاض عادل وعالم، جالس في غرفة مغلقة، ومحيط هادئ، يطالع الأضابير بدقة ويتفهم محتوياتها بصورة متقنة، ويقيس جميع جوانب القضية ثم يصدر الحكم. أما العواطف فهي تمثل الجهاز التنفيذي للسلطة القضائية. ليس واجب الجهاز التنفيذي تمحيص الأدلة والبينات، بل على العواطف أن تنفذ الأحكام العقلية عندما تكون منقادة للعقل.
إن أحكام العقل قائمة على أساس الاستدلال والبرهنة. وإن موافقته أو مخالفته، ونقضه أو أبرامه... كل ذلك يعتمد على المحاسبة الدقيقة والاستدلال المنطقي. أما العواطف فلا شأن لها بالمحاسبة، ولا تفهم المنطق ولا تركن إلى الاستدلال. العواطف عبارة عن العشق فقط، الاندفاع والثورة وحسب... إن قلب الأم يطفح بحب الولد، فحبه نافذ إلى أعماق روحها، وترى ولدها قطعة من كبدها، وتعتبر حياته حياتها، وأبسط حادثة مؤلمة له تعد مصيبة عظيمة لها، ولكن الأم لا تملك في حبها هذا وحنانها ذاك دليلا عقليا أو عمليا، إن حنانها لا يستند إلى المنطق والتفكير، إنها أم وحسب، وتحب ولدها بعاطفة الأمومة. كذلك حب العاشق وولهه لا يستند إلى الاستدلال العلمي والمحاسبة المنطقية، إنه لم يعشق على طبق معادلات رياضية أو استنتاجات عقلية، ان الحديث معه في طريق الحب عن العلم والمنطق والدليل خطأ فظيع. إذا أن العاشق لا يفهم دليلا، ولا يدرك عقلا ولا منطقا، إنه عاشق... إنه ولهان... إن روحه تحترق بنار الحب... يأوي إلى الفراش على أمل الحبيب، وينهض من فراشه على رجاء لقائه.
إن العقل على ما هو عليه من الأهمية والقيمة في طريق التقدم والرقي يشبه العلم والعدالة في أنه باهت وقاس، أما العواطف فهي ينبوع الاندفاعات والحوافز، وبركان الحرارات والأشعاعات، وأساس الصداقات والعداوات. يستطيع الإنسان بعقله وفكره أن يسيطر على العالم ويسخر الكون، ويستخدم