يقول: لولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها لذهب الإسلام (57). ويرى علي بن المديني بأن الله أيد هذا الدين باثنين لا ثالث لهما أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة... ثم لا يلبث ابن المديني أن يقطع في الحماس لنفس الموضوع شوطا أبعد من ذلك حين يروي الميموني على لسانه أنه: ما قام أحد بأمر الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قام أحمد بن حنبل فقال له: يا أبا الحسن ولا أبو بكر؟ قال: ولا أبو بكر الصديق. إن أبا بكر كان له أعوان وأصحاب، وأحمد لم يكن له أعوان وأصحاب (58).
ونختتم الكلام عن المحنة بقول محمد بن الحسن الثعالبي يقول:
فالمسألة (أي خلق القرآن) كانت سياسية أكثر منها دينية بدليل أن الخلاف الذي هولوا به في مسألة الكلام تبين أنه لفظي، إذ الصفات القائمة بذاته تعالى قديمة والمعتزلة لا يقرون بقيام الصفات بالقديم فرارا من تعدد القدماء، والحروف والأصوات التي ننطق بها نحن حادثة وإن تعصب بعض المنتسبين لابن حنبل، فقالوا بقدمها، بل قالوا: إن الجلد وغلاف المصحف أزليان وهو جهل وعناد ومثله لا يعد في آراء أهل العلم، فتبين أن لا خلاف إلا في إثبات قيام الصفات به تعالى...
ومن أعجب ما يراه الناظر المتبصر في هذه المسألة أن ابن حنبل وحزبه تحرجوا أن يقولوا، أن القرآن مخلوق، لأنه لم يرد على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن السلف الصالح وأنعم وأكرم بالوقوف عند حد ما ورد. لكنهم أنفسهم لم يقفوا عند حد ما ورد، بل قالوا: إنه غير مخلوق، وأنه قديم. وكلا اللفظين لم يردا أيضا، فكان الاعتراض مشترك الإلزام، بل ورد في القرآن * (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) *. ولعمري أنه لا فرق بين محدث ومخلوق، بل إن الذي يقول إنه قديم، وأنه غير مخلوق هو الذي بظاهر