قال: " لقد أنسي الناس قوما كان موقفهم مثل موقف أحمد أو قريبا منه فلم يعد هؤلاء يذكرون إلا في بطون التواريخ وعلى ألسنة الخاصة أو خاصة الخاصة من العلماء " (54).
لكن ما سبب شهرة الإمام أحمد دون غيره ممن امتحن ووقف مثل موقفه؟.
الحقيقة أن شهرة أحمد قد ارتبطت أولا بانتصار المحدثين وأصحاب الأثر.
ولما تولى المتوكل الخلافة أوقف الامتحان، وأبعد المعتزلة من بطانته وقرب المحدثين وانتصر لهم وأغدق المال والجوائز على عدد كبير منهم، وأمر أن يجلس المحدثون في المساجد وينتصروا لمجمل عقائدهم، ليس فقط في مسألة خلق القرآن ولكن في الرؤية كذلك، والتي كانت المعتزلة تنكرها. (أي رؤية الله بالأبصار يوم القيامة)، لذلك فقد أدى الأمر إلى تكبير المضطهدين، ونشر تفكيرهم ومبالغة الناس في أقوالهم (55) فانطلقوا ينقضون عقائد الاعتزال، ويحاربون أصحابه بكل ما أوتوا من قوة ونفوذ، فانتشر القول بتكفير من قال بخلق القرآن واستحلال دمه. وبدأ عصر المعتزلة في الأفول شيئا فشيئا، ونجم المحدثين في الصعود والاشتهار، فالتف حولهم العامة ونصروهم واعتنقوا عقائدهم.
يقول أحمد أمين: إن السلطات الحكومية من عهد المتوكل قد تخلت عن نصرة المعتزلة وأغلب الناس يمالئون الحكومة أينما كانت ويخافون أن يعتنقوا مذهبا لا ترضاه فهربوا من الاعتزال إلى من يهاجم الاعتزال (56).
وإذا كان وضع أحمد في المحنة كما ذكرنا، لم تكن له خصوصية تفرده عن غيره وتميزه. فلا حقيقة لتلك المبالغات والأساطير التي حاكها الحنابلة حول محنة أحمد وخطورة شأنها. قال محمد بن إسحاق: سمعت أبي