والبخاري يحيى بن معين، ولم يكن ذلك الاعتراف اعتقادا منه كما يقول أصحابه من أهل الحديث. حيث قالوا لم يرتد يحيى بن معين ولكنه خاف (48). وإسماعيل بن أبي مسعود البصري، وعلي بن الجعد الهاشمي، وأبو حسان الزيادي وعلي بن مقاتل، وأبو معمر القطيفي وأحمد بن الجواري، ومحمد بن سعد الواقدي صاحب الطبقات، وغيرهم كثير.
ولما جمع إبراهيم بن إسحاق كافة الفقهاء والمحدثين وقرأ عليهم كتاب المأمون أجابه أغلبهم، إلا أحمد بن حنبل وسجادة والقواريري، ومحمد بن نوح، فأمر بهم إسحاق بن إبراهيم فشدوا في الحديد، فلما أصبحوا أعاد امتحانهم، فاعترف سجادة بخلق القرآن فأطلقه. وبعد يوم آخر أجاب القواريري بأن القرآن مخلوق فأخلى سبيله. ولم يبق إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح. فكتب حاكم بغداد إلى المأمون بذلك فأمره بأن يشخص إليه أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح موثقين في الأغلال، ولما وصلا في طريقهما إلى قرب الأنبار، وفي أثناء الطريق جاءهم نعي المأمون (49).
وبذلك تنتهي أولى فصول المحنة لدى ابن حنبل وغيره. إلا أن المأمون وهو يجود بنفسه أوصى أخاه المعتصم بأن يتابع مسيرة الامتحان وأن يحمل الناس على القول بخلق القرآن، فامتثل المعتصم للوصية واستمرت فصول المحنة كأشد ما تكون، واستدعي أحمد بن حنبل من السجن ومثل أمام المعتصم وابن أبي دؤاد المعتزلي ومجموعة من الفقهاء والعلماء وبدأ امتحانه. لكن أحمد لم يجب الخليفة فأعيد إلى السجن وبقي ثلاثة أيام كل يوم يؤتى به فيمتحن فيرجع دون أن يقر بخلق القرآن. يقول المؤرخون إن المعتصم لما يئس منه، أمر بضربه بالسياط فضربه ثمانية وثلاثين وقيل أقل من ذلك. وبعد ذلك أطلق المعتصم سراحه ووصله. وقد اختلف في سبب ذلك بين قائل بأن أحمد