أبو الخلفاء ولم يخلع طاعتهم رغم ما تعرض له من تنكيل ومضايقة من طرف ثلاثة ملوك منهم، (المأمون والمعتصم والواثق). لكن موقفه من المتوكل كان فيه بعض التناقض فهو وإن كان يؤمن بشرعية خلافته وضرورة إطاعته والتسليم له، إلا أنه كان يرفض صلاته ويفر منها فراره من الأسد. بل كان ينهى أهله وأقاربه وخصوصا ابنه عبد الله عن أخذ ما يبعثه المتوكل من أموال، ولقد اعتبر ذلك شدة ورع منه وتجنبا للحرام؟!.
إن هذا الموقف لأحمد من علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته والذي بدا معتدلا ومتميزا في تلك الفترة، التي كان بغض علي وأهل بيته رائجا فيها ومما يتقرب به إلى الخلفاء، قد جعل بعضا من علماء الشيعة وعامتهم ينظرون إليه بنوع من الاحترام. وقد ذكر لنا التاريخ أن بعضا من الهاشميين قد شارك في جنازته وتغسيله وتشيعه حتى قال بعضهم: لقد غلبنا على تغسيل أحمد الهاشميون.
طبعا يجب الانتباه إلى شئ مهم، وهو أن مواقف أحمد بن حنبل جاءت بعد شهرته وانتشار صيته، وبعدما أصبحت له مكانة خاصة لدى السلطان والعامة. فلم يكن لأحمد شهرة تذكر قبل انفراج الأزمة، لوجود عدد من كبار المحدثين، من هم شيوخه وأساتذته. كما أن محنة خلق القرآن التي تورط فيها المعتزلة لم تكن لتخص أحمد بن حنبل بن طالت عددا كبيرا من الفقهاء والمحدثين، ومنهم من قدم حياته جراء موقفه المخالف. ومنهم من نكل به وضرب وسجن ومات في السجن، ومنهم من لم يفرج عنه إلا زمن المتوكل.
وبما إن اسم أحمد وشهرته قد ارتبطت بهذه المحنة، وغالى الحنابلة في وصفها وأنشأوا القصص والأساطير حولها، وكثرت المبالغات، صبوا جلها في رافد مذهب إمامهم، وجعلوا ذلك مقياسا للأفضلية والاتباع. فسنعرض لهذه المحنة حتى نعرف مكانة أحمد بن حنبل فيها. كما دونتها وقائع التاريخ العام بعيدا عن الغلو والزيادات التي عرف بها أتباع المذهب الحنبلي ماضيا وحاضرا.