بينه وبين خلقه، لضعف آرائهم ونقص عقولهم وجفائهم عن التفكر والتذكر، وذلك أنهم ساووا بين الله تبارك وتعالى وبين ما أنزل من القرآن فأطبقوا مجتمعين واتفقوا غير متعاجمين على أنه قديم أول لم يخلقه الله ويحدثه ويخترعه...
وقد قال الله عز وجل في محكم كتابه الذي جعله لما في الصدور شفاء وللمؤمنين رحمة وهدى * (إنا جعلناه قرآنا عربيا...) * [الزخرف: آية 3]: فكل ما جعله الله فقد خلقه. قال: * (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور...) * [الأنعام: آية 1]. وقال عز وجل: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * [طه: آية 49]: فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها وتلا به متقدمها. وقال تعالى: * (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) * [فصلت: آية 1 - 2]. وكل محكم مفصل فله محكم ومفصل والله محكم كتابه ومفصله فهو خالقه ومبتدعه. ثم هم الذين جادلوا بالباطل فدعوا إلى قولهم ونسبوا أنفسهم إلى السنة، وفي كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته مبطل لقولهم ومكذب دعواهم يرد عليهم قولهم ونحلتهم، ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحق والدين والجماعة. وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة، فاستطالوا بذلك على الناس، وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب والتخشع لغير الله والتقشف لغير دين الله إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سئ آرائهم تزينا بذلك عندهم وتصنعا للرئاسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إلى باطلهم، واتخذوا دون الله وليجة إلى ضلالتهم فقبلت بتزكيتهم لهم شهاداتهم ونفذت أحكام الكتاب بهم على دغل دينهم ونفل أديمهم وفساد نياتهم ويقينهم، وكان ذلك غايتهم التي إليها أجروا وإياها طلبوا في متابعتهم والكذب على مولاهم، وقد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه، أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب