تنعم في الترف والتنعم بملذات الدنيا، فإن ذلك كان يتم على حساب ملايين المحرومين والضعفاء ممن كان يرزح تحت ظلم الولاة والجباة الذين جعلوا من تلفيق التهم السياسية وسيلة لقتل الناس وأخذ أموالهم (17).
إلا أن ما ميز عصر أحمد بن حنبل هو ظهور فتن الشعوبية أو العنصرية، فإذا كان الفرس قد تغلبوا على العرب واستحوذوا على أغلب المناصب المهمة في الدولة بعد انتصار العباسيين، فإن عنصرا آخر سيدخل حلبة المنافسة ممثلا في العنصر التركي الذي استقدمه المعتصم (18). وسلمهم مقاليد الجيش فنما عددهم وقويت شوكتهم، فاشتدت محنة أهل بغداد وضايقوا أهلها. يقول المسعودي: " كانت الأتراك تؤذي العوام بمدينة السلام بجريها بالخيول في الأسواق وما ينال الضعفاء والصبيان من ذلك، فكان أهل بغداد ربما ثاروا ببعضهم فقتلوه عند صدمه لامرأة أو شيخ كبير أو صبي أو ضرير، فعزم المعتصم على النقلة معهم... فلم يزل يتخير الأماكن من دجلة وغيرها حتى انتهى إلى الموضع المعروف بالقاطول فاستطاب الموضع (19).
لقد كره أهل بغداد مجيئهم إذ كانوا شؤما عليهم في حلهم وترحالهم، فلما أقاموا بينهم كانت خيولهم تصيب الضعفاء والمرضى، ولما رحلوا عنهم إلى القاطول ثم سامراء أثر ذلك أثرا سيئا في بغداد من حيث تجارتها وحضارتها... وأخذ المحدثون يضعون الأحاديث في ذم الترك تعبيرا عن شعورهم وشعور الناس، فرووا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الترك أول من يسلب أمتي ما خولوا " وعن ابن عباس أنه قال: " ليكونن الملك - أو