وميلا بالاستنباط إليه عن القياس ما أمكن (12).
لذلك كان قليل الأتباع وكاد أن يندرس لولا أن تداركه ابن تيمية في القرن السابع. ومع محمد بن عبد الوهاب النجدي سيعرف هذا المذهب عصره الذهبي الآن، لكن ليس بعنوان المذهب الحنبلي وإنما تحت عنوان آخر هو " السلفية " حيث خصصت السلطات الحاكمة في نجد أموالا طائلة لنشر هذا المذهب وبعث كتبه والدعوة إليه.
ومهما يكن فقد استطاعت المذاهب الأربعة أن تخطوا خطوات في ساحة الرقي وتكتسب قيمتها المعنوية، لأنها كانت موضع عناية الخلفاء والولاة المتعاقبين. بالرغم مما رافقها من خلافات ومنافرات، فعناية السلطة تكسب الشئ لونا من الاعتبار والعظمة حسب نظام السياسة لا النظام الطبيعي.
فعوامل الترغيب ووسيلة القوة جعلتها تأخذ بالتوسع شيئا فشيئا، ولولا ذلك لما استطاعت البقاء حتى تصبح قادرة على مزاحمة غيرها (13).
إن السلطات الحاكمة على طول التاريخ الإسلامي لم تكتف بصناعة المذاهب ودعمها وتقويتها وفرض إتباعها على الجماهير المسلمة، ولكن حددت هذه المذاهب وحصرتها في أربعة ومنعت العامة من تقليد غيرها، وحذرت الخاصة من تجاوزها أو إنشاء مذاهب أخرى جديدة. أي منعت الاجتهاد وأغلقت بابه وجعلته حكرا على من مضى من " السلف " وفرضت على " الخلف " التقليد والامتثال، وحفظ مسائل وأجوبة هؤلاء الأئمة من السلف.
قال شهاب الدين الزنجاني الشافعي وأقضى القضاة عبد الرحمن بن اللمغاني الحنفي: إن المشايخ كانوا رجالا، ونحن رجال. فأوصل الوزير ما أجابوا به إلى المستعصم، وكان قد تولى الملك بعد أبيه المستنصر فأحضرهم أمامه، وطلب منهم جميعا أن يلتزموا ذكر كلام المشايخ ويحترموهم، فأجابوه