والمعتزلة وإن كانوا يؤمنون بخلق القرآن ويعتقدون ذلك، فإن عدم مؤازرة خلفاء بني العباس قبل المأمون لهم كانت حاجزا يمنعهم من نشرها. كانت مسألة صفة كلام الله وارتباطها بخلق القرآن من أهم المسائل التي فجرها المعتزلة وعضدهم الخليفة المأمون، فدعوا الفقهاء وعلماء أهل الحديث إلى اعتناقها، فكانت المحنة التي أودت بحياة بعض الفقهاء والمحدثين. وتعرض البعض الآخر منهم للضرب والتنكيل والسجن، كان من بينهم أحمد بن حنبل الذي سيكشف زوال هذه المحنة زمن المتوكل على شهرته وزعامته لطائفة أهل الحديث.
وهناك قضايا أخرى أثارها المأمون وتبعه فيها من جاء بعده لكنها لم تشتهر عنه كما اشتهرت مسألة خلق القرآن. من هذه القضايا انتصاره للعلويين بعدما نكل بهم آباؤه وأجداده. فكان يحن إليهم ويصلهم بالعطايا، وسبب ذلك يرجع لحبه الإمام علي بن أبي طالب. فقد كان يحبه ويفضله على جميع الصحابة، وقد أمر مناديه أن ينادي بأن أفضل الخلق بعد رسول (ص) علي بن أبي طالب. وأن لا يذكر معاوية بخير (21). بل إن حبه للعلويين سيدفعه إلى محاولة إرجاع الخلافة لهم. فقد أخذ البيعة للإمام الرضا ثامن أئمة الشيعة الإمامية من بعده، رغم رفض الإمام (ع) لها. ومهما تكن الأسباب والدوافع الحقيقة لهذا الفعل، لكن أثره سيكون عميقا فيما بعد لأنه سيعضد فكرة اغتصاب الخلافة ودعوى الإمامية بأحقيتهم في الولاية والإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وفي (سنة 210 ه) أمر المأمون برد فدك إلى أولاد فاطمة عليها السلام وكتب بذلك إلى قتم بن جعفر عامله على المدينة كتاب