بينا أن لجمعها من التأثير في الإيهام والتلبيس على الأفهام ما ليس لآحادها المتفرقة، وإنما هي كلمات لهج بها عليه السلام في جميع عمره في أوقات متباعدة، وإذا اقتصر منها على ما في القرآن والأخبار المتواترة رجعت إلى كلمات يسيرة معدودة، وإن أضيفت إليها الأخبار الصحيحة فهي أيضا قليلة، وإنما كثرت الروايات الشاذة الضعيفة التي لا يجوز التعويل عليها، ثم ما تواتر منها وصح نقلها عن العدول فهي آحاد كلمات، وما ذكر صلى الله عليه وسلم كلمة منها إلا مع قرائن وإشارات يزول معها إيهام التشبيه.. وقد أدركها الحاضرون المشاهدون، فإذا نقل الألفاظ مجردة عن تلك القرائن ظهر الإيهام. وأعظم القرائن في زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن قبول الظواهر، ومن سبقت معرفته بذلك كانت تلك المعرفة ذخيرة له راسخة في نفسه مقارنة لكل ما يسمع، فينمحق معه الإيهام انمحاقا لا يشك فيه.. ويعرف هذا بأمثلة:
إنه صلى الله عليه وسلم سمى الكعبة بيت الله تعالى، وإطلاق هذا يوهم عند الصبيان وعند من تقرب درجتهم منهم أن الكعبة وطنه ومثواه. ولكن العوام الذين اعتقدوا أنه في السماء وأن استقراره على العرش.. ينمحق في حقهم هذا الإيهام على وجه لا يشكون فيه. فلو قيل لهم ما الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إطلاق هذا اللفظ الموهم المخيل إلى السامع أن الكعبة مسكنه، لبادروا بأجمعهم وقالوا: هذا إنما يوهم في حق الصبيان والحمقى، أما من تكرر على سمعه أن الله مستقر على عرشه فلا يشك عند سماع هذا اللفظ أنه ليس المراد به أن البيت مسكنه ومأواه، بل يعلم على البديهة أن المراد بهذه الإضافة تشريف البيت، أو معنى سواه غير ما وضع له لفظ البيت المضاف إلى ربه وساكنه... أليس كان اعتقاده أنه على العرش قرينة أفادته علما قطعيا بأنه ما أريد بكون الكعبة بيته أنه مأواه، وأن هذا يوهم في حق من لم يسبق إلى هذه العقيدة؟