أهل الكوفة به وغدرهم بعهودهم ومواثيقهم وأنه متوجه في سفره إلى ساحة الموت بل إلى ساحة الشرف والخلود فتفرق ذوو الأطماع والأهواء عنه لقد صارحهم (ع) في تلك الساعة الرهيبة بالحقيقة الراهنة وكشف لهم الستار عن خطته وأهدافه ليكونوا على بصيرة من أمرهم علما بأوامر الإسلام التي تلزم بالصراحة والصدق ولا تبيح أي وسيلة من وسائل الغدر والخداع.
إن المواربة لو كانت سائغة في الإسلام بأي شكل من الأشكال لما تغلب معاوية بن أبي سفيان خصم الإسلام على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فكان بإمكانه أن يساومه بعد مقتل عثمان ويبقيه على ولايته في دمشق، ثم يعزله بعد ذلك عن منصبه ويتخلص من شره وتمرده، ولكن الإسلام يأبى له تلك المساومة الرخيصة فامتنع من بقائه في جهاز الحكم ولو زمنا قصيرا وهناك أمر آخر هو أعمق أثرا وأبعد مدى في عالم الصراحة من ذلك هو امتناع الإمام من إجابة عبد الرحمن بن عوف أحد أعضاء الشورى الذين رشحهم الخليفة الثاني لانتخاب الخليفة الجديد من بعده فقد ألح عبد الرحمن إلحاحا بالغا على الإمام أن يبايعه وينتخبه لمركز الخلافة الإسلامية العظمى وقد شرط عليه أن يسير بسيرة الشيخين ويقتفي بسياستهما فامتنع (ع) من إجابته على هذا الشرط وأبى إلا أن يسير على كتاب الله ويقتدي بسنة نبيه في سياسته وأعماله الإدارية وغيرها، ولقد كان بإمكانه أن يوافق على ذلك الشرط ابتداء ثم يعدل عنه ويسير في سياسته على وفق الأهداف التي رسمها الإسلام ويعتقل كل من يعارضه ويقف في وجه حكومته، ولكنه أبى إلا الصراحة والصدق في القول والعمل.
إن الإسلام يأمر بالتمسك بالصدق ولا يسيغ استعمال الطرق الملتوية التي