ولما أعلن الرسول الكريم دعوته نفر منها العتاة والطغاة المستغلون الذين كانوا يعيشون على موائد النهب والسلب لأنها تتنافى مع مصالحهم، وتتصادم مع أطماعهم فاتهموا النبي (ص) بالشعوذة تارة وبالسفه والجنون تارة أخرى ولما رأوا هذه الاتهامات لا تجدي شيئا، ولا تنطلي دعاياتهم على العقول السليمة والأفكار المستقيمة، وأن مبادئ محمد (ص) قد غزت المشاعر والعواطف وآمن بها الفقراء والضعفاء والمحرومون الذين يمثلون الأكثرية الساحقة في مكة أجمع أمرهم على اغتيال النبي (ص) والهجوم عليه في فراشه، فأوحى الله إليه بذلك، وأمره بالهجرة إلى يثرب وأن يترك في فراشه ابن عمه الإمام أمير المؤمنين (ع) حارس الإسلام والمنافح عنه في جميع المواقف.
وتوجه النبي (ص) إلى يثرب فأقام فيها داعيا إلى الله ومبشرا بدينة القويم يضع الخطوط والتصاميم إلى بناء مجتمع جديد يؤمن بالله ولا يشرك به وأعلن في ذلك الوقت حكومة الإسلام العادلة التي تنبض بالعدل والحق يقول الأستاذ (ماكدونالد):
(هنا - أي في المدينة - تكونت الدولة الإسلامية الأولى ووضعت المبادئ الأساسية للقانون الإسلامي).
وأول تصميم قام به النبي (ص) أنه وحد صفوف المسلمين ونشر الحب والوئام فيما بينهم وأزال البغضاء والكراهية ما بين الأوس والخزرج تلك الكراهية التي كانت مشبوبة الإوار فيما بينهما زمنا طويلا فوحد كلمتهم، وجعلهم يدا واحدة على أعدائهم من المشركين ثم آخى بين المهاجرين والأنصار فصاروا إخوانا في الدين وفي كل شئ ويدا واحدة في الجهاد والدفاع عن دين الله.