وأما مسألة الحر ونحوه فثبوت الضمان فيه أظهر، لأن عدم كونه مالا شرعا لا يوجب أن يكون العقد واقعا بلا تضمين عرفا. والمدار في الضمان على عدم الإقدام على المجانية.
ولكن الإنصاف أن الحكم في جميع ذلك مشكل، لأنه لا فرق بين عدم جعل العوض أصلا كالبيع بلا ثمن، أو جعله ما ليس مالا: إما لقصور في المقتضي، كالحشرات، أو لوجود المانع، كالطير في الهواء والسمك في الماء والظبي في البيداء، أو جعله ما ليس مالا شرعا، كالخمر ونحوه.
وعلى أي حال، ليس الحكم في تلف الرشوة كالحكم في تلف المبيع في البيع بلا ثمن، لأن الرشوة ليست من قبيل الثمن، وليس مقصود الراشي شراء الدين، ولا مقصود المرتشي بيعه، فلا يلازم عدم الضمان في مسألة البيع بلا ثمن عدمه في باب الرشوة، بل الأقوى أن جهة الضمان فيها هي جهة الضمان في باب الربا، فكما أن الشارع لم يبح للمالك هذا النحو من السلطنة ولم يسلطه على إعطاء الزيادة في المتجانسين فكذلك لم يبح له الرشوة على الحكم، فعلى هذا لو تلفت عند المرتشي فحيث إن يده يد عدوان يجب عليه المثل أو القيمة.
قوله (قدس سره): (ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن: ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه، بل باع عن المالك ودفع المشتري الثمن إليه لكونه واسطة في إيصاله إلى المالك فتلف في يده.... إلى آخره).
لا يخفى: أن الفضولي وإن لم يكن وكيلا عن المالك إلا أنه لو أقبضه المشتري الثمن لإيصاله إلى مالك المبيع يكون وكيلا عن المشتري، فإذا لم يفرط فيه ولا أتلفه بل تلف بتلف سماوي فلا وجه لضمانه مع كونه أمينا منه. ولولا قوله: " إذ لم يسلطه عليه، ولا أذن له في التصرف فيه فضلا عن إتلافه " (1) لقلنا: إن قوله: " فتلف فيه " من غلط الناسخ، والصواب هو أن يكون " فأتلفه ". وبالجملة: في مورد التلف لا وجه للضمان.