القسطنطينية، وعد ذلك من أغلاط العوام، فتأمل: دار ملك الروم وهي الآن دار ملك المسلمين، وفاتحها السلطان المجاهد الغازي أبو الفتوحات محمد بن السلطان مراد ابن السلطان محمد بن السلطان بايزيد ابن السلطان مراد الأول بن أورخان بن عثمان، تغمده الله تعالى برحمته، فهو الذي جعلها كرسي مملكته بعد اقتلاعه لها من يد الإفرنج (1)، وكان استقراره في المملكة بعد أبيه في سنة 855. كان ملكا عظيما اقتفى أثر أبيه في المثابرة على دفع الفرنج حتى فاق ملوك زمانه، مع وصفه بمزاحمة العلماء، ورغبته في لقائهم، وتعظيم من يرد عليه منهم، وله مآثر كثيرة من مدارس وزوايا وجوامع، توفي أوائل سنة 886 في توجهه منها إلى برصا، ودفن بالبرية هناك، ثم حول إلى اسطنبول في ضريح بالقرب من أجل جوامعه بها، واستقر في المملكة بعده ولده الأكبر السلطان أبو يزيد، المعروف بيلدرم، ومعناه: البرق، ويكنى به عن الصاعقة، كما ذكره السخاوي في الضوء. قلت: وهو جد سلطان زماننا الإمام المجاهد الغازي، سلطان البرين والبحرين، خادم الحرمين الشريفين. وفتحها من أشراط قيام الساعة وهو ما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تقوم الساعة حتى تنزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبدا، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج فبينما (2) هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله نبي الله بيده فيريهم دمه في حربته.
وقد جاء ذكر القسطنطينية أيضا في حديث معاوية رضي الله عنه، وذلك أنه لما بلغه خبر صاحب الروم أنه يريد أن يغزو بلاد الشام أيام فتنة صفين كتب إليه يحلف بالله لئن تممت على ما بلغني من عزمك لأصالحن صاحبي، ولأكونن مقدمته إليك، فلأجعلن القسطنطينية البخراء (3) حممة سوداء، ولأنزعنك من الملك انتزاع الإصطفلينة، ولأردنك إريسا من الأرارسة ترعى الدوابل، وتسمى بالرومية بوزنطيا، بالضم، وتعرف الآن باسطنبول، وإسلام بول، وفي معجم ياقوت: اصطنبول بالصاد، وارتفاع سوره أحد وعشرون ذراعا، وكنيستها المعروفة بأيا صوفيا مستطيلة وبجانبها عمود عال في دور أربعة أبواع تقريبا. وفي رأسه فرس من نحاس، وعليه فارس، وفي إحدى يديه كرة من ذهب، وقد فتح أصابع يده الأخرى مشيرا بها، ويقال: هو صورة قسطنطين بانيها. قلت: وقد جعلت هذه الكنيسة جامعا عظيما، وأزيل ما كان فيه من الصور حين فتحها، وفيه من الزخرف والنقوش البديعة والفرش المنيعة الآن ما يكل عنه الوصف، يتلى فيه القرآن آناء الليل وأطراف النهار، جعله الله عامرا بأهل العلم ببقاء دولة الملوك الأبرار، والسلاطين الأخيار، وأقام بهم نصرة دين النبي المختار، صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو عمرو: القسطان والكسطان: الغبار وأنشد:
أثاب راعيها فثارت بهرج * تثير قسطان غبار ذي رهج والتقسيط: التقتير، يقال: قسط على عياله النفقة، إذا قترها عليهم، قال الطرماح:
كفاه كف لا يرى سيبها * مقسطا رهبة إعدامها والاقتساط: الاقتسام.
وقال الليث: يقال: تقسطوا الشيء بينهم، أي اقتسموه بالسوية وفي العباب: على القسط والعدل.
وفي اللسان: تقسموه، على العدل والسواء.