تمسي، فما كنت فاعلا فافعل، فقال لابنه عبد الله: ناولني الكتف، فلو أراد الله أن يمضي ما فيه أمضاه، فمحاها بيده، وكان فيها فريضة الجد. ثم دخل عليه كعب الأحبار، فقال: يا أمير المؤمنين، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين، قد كنت أنبأتك أنك شهيد (1)، قال: ومن أين لي بالشهادة وأنا بجزيرة العرب؟ ثم جعل الناس يثنون عليه، ويذكرون فضله. فقال: إن من غررتموه لمغرور، إني والله وددت أن أخرج منها كفافا كما دخلت فيها (2)، والله لو كان لي اليوم ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع، فقالوا: يا أمير المؤمنين لا بأس عليك، فقال: إن يكن القتل بأسا، فقد قتلني أبو لؤلؤة، قالوا: فإن يكن ذلك فجزاك الله عنا خيرا. فقال: لا أراكم تغبطونني بها، فوالذي نفس عمر بيده ما أدري علام أهجم، ولوددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا علي، فيكون خيرها بشرها، ويسلم لي ما كان قبلها من الخير. ودخل علي بن أبي طالب (3) فقال: يا علي، أعن ملأ منكم ورضى كان هذا؟ فقال علي: ما كان عن ملأ منا ولا رضى، ولوددنا أن الله زاد من أعمارنا في عمرك. قال: وكان رأسه في حجر ابنه عبد الله، فقال له: ضع خدي بالأرض، فلم يفعل، فلحظه وقال: ضع خدي بالأرض لا أم لك، فوضع خده بالأرض، فقال: الويل لعمر ولأم عمر إن لم يغفر الله لعمر (4)، ثم دعا عبد الله بن عباس وكان يحبه ويدنيه ويسمع منه، فقال له: يا بن عباس، إني لأظن أن لي ذنبا، ولكن أحب أن تعلم لي أعن ملأ منهم ورضى كان هذا؟ فخرج ابن عباس، فجعل لا يرى ملأ من الناس إلا وهم يبكون، كأنما فقدوا اليوم أنصارهم، فرجع إليه فأخبره بما رأى. قال: فمن قتلني؟ قال: أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة. قال عبد الله فرأيت البشر في وجهه، فقال: الحمد لله الذي لم يقتلني رجل يحاجني بلا إله إلا الله يوم القيامة. ثم قال: يا عبد الله، ألا لو أن لي ما طلعت عليه الشمس وما غربت لافتديت به من هول المطلع، وما ذاك والحمد لله أن أكون رأيت إلا خيرا، فقال
(٤٠)