لاعتراف هذا الناقل ان مستشاره الشرعي كان من أكابر علماء الشيعة فلا يمكن ان يخالفه ولا يمكن ان يشير عليه بما يخالف نص القرآن الكريم من خلود بعض العصاة في النار واما الاعتقاد بتناسخ الأرواح اخذا عن البراهمة فكذب وافتراء مناقض لما صح عنه وأقره هذا الناقل من اتباعه مذهب الشيعة وجعله أحد أكابر علمائهم مستشاره الشرعي كاباحته الخمر والخنزير والظاهر أن الذي ساق الناقل إلى نسبة ذلك إليه موافقته لعقيدته وفعله.
واما انكار قدم القرآن فهي مسالة خلافية بين المسلمين وذلك يؤيد كونه على مذهب الإمامية إما انكار المعجزات فيناقض ما صح عنه من التشيع كما مر إما ابطاله كون الاسلام هو الدين الرسمي للدولة فان صح فيجوز ان يراد به بعض المذاهب التي عليها أكثر المسلمين أو يكون ذلك استصلاحا للرعية التي أكثرها غير مسلمين إما عدم منعه من أجبر على الاسلام من الرجوع إلى دينه فاعتذر عنه الأمير شكيب بقوله ان رينيه غروسه الفرنساوي ذكر في هذا الباب جملة فيها شئ من الإنصاف فقال لا يمكن مقايسة هذا الامر بالامر المعروف بأمر نانت، يشير إلى الامر الذي أصدره لويس الرابع عشر مانعا اي دين كان في فرنسا غير دين الكثلكة. الا ان رينيه غروسه لا يعلم أن أكبر خان بهذا الامر لم يخرج عن الاسلام لان الشعر يمنع دخول الناس في الاسلام قسرا لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وان الاسلام ليس فيه ديوان تفتيش كما كان في إسبانية.
واما تبحره في مذهب بوذا فللإطلاع عليه اطلاعا كاملا لمعرفة فساده إما انه كان يجله ويعظمه فلعله استفاده من تبحره في مذهبه أو انه كان يصفه بالاقتدار حيث اخترع دينا اتبعه عليه أمة كبيرة مع كونه باطلا. إما ظنه بان مساواته بين جميع الناس وبره بالمخلوقات كلها مما ترشح إلى ذهنه من التعاليم البوذية فظن فاسد بل ذلك روح العقيدة الاسلامية الصحيحة من أن الخلق كلهم عباد الله ومساواتهم في الحقوق والعدل بينهم وعدم ظلم أحد من اي ملة أو دين كان والبر بجميع المخلوقات حتى الحيوانات الصامتة والرفق بها وعدم تحميلها ما لا تطيق أمر واجب. إما التحرج من اكل لحوم الحيوانات فلا نراه الا مكذوبا عليه وهو مناف لما صح عنه من اتباع دين الاسلام، ولا شئ أعجب من قول دائرة المعارف: مما لا مشاحة فيه كونه ترك الاسلام ووضع عقيدة سماها التوحيد الإلهي فإنه كذب واختلاق مناقض لما ثبت عنه من تمسكه بالاسلام طول حياته ولعله كان يرمي إلى جذب سائر المذاهب إليه بدعوتها إلى الاعتقاد بإله واحد ويريد استصلاح المجوس بدعوتهم إلى ذلك والى ان الشمس والنار رمز للآلهة اي مظهر من مظاهر عظمة الخالق لكونهما من أعظم المخلوقات. إما الثمانية عشر شخصا الذين قيدوا أنفسهم في سجل المؤمنين فيمكن كونهم اتبعوه على التشيع لا على الخروج من دين الاسلام لفساده من أصله فإذا فسد الأصل فسد الفرع، ومما يدل على فساد هذه الدعوى التعليل العليل الذي ذكرته الدائرة سببا لخروج عزيز كوكا من الاسلام وهو ما رآه في موسم الحج فأي أحوال مؤسفة يمكن ان يراها عزيز كوكا في موسم الحج وهل تبليص الحاج من أموالهم ان وقع هو من العقائد الاسلامية حتى يوجب وقوعه خروج كوكا من الاسلام وهو من الأدباء الشعراء العقلاء وما ندري ما تريد بتبليص الحاج من أموالهم ولعلها تريد ما تأخذه حكومة الحجاز من ضرائب على الحجاج أو ما ينهبه الاعراب من أموالهم في بعض الأحايين فان أرادت الأول فلتلك الحكومة أسوة بجميع حكومات العالم من كل ملة وان أرادت الثاني فله أيضا أسوة بما يقع في أكثر أقطار الدنيا مع أنه ان وقع شئ قبيح من المسلمين يقع مثله من غيرهم ولا يحله دينهم لا يكون ذلك قدحا في دينهم ولا دين غيرهم ولكن صاحب الدائرة أراد القدح في عقائد الاسلام وتهجينها ومنها الحج فتوصل إلى ذلك بهذا الذي زعم أنه كان سببا لخروج بعض المسلمين عن الاسلام فلم يتم له ما أراد وعاد عليه بالفساد. إما قوله مبارك الناقوري فصوابه الناكوري وهو الشيخ مبارك ابن الشيخ خضر اليماني الأصل الهندي المسكن فان أباه الشيخ خضر جاء إلى ناكور من بلاد الهند كما مر في ترجمة حفيده أبو الفضل بن مبارك بن خضر، وأولاده هم أبو الفضل وأبو الفيض ابنا الشيخ مبارك ولئن كانوا ابعدوه من مذهب السنة فقد قربوه من مذهب الشيعة ولم يخرجوه عن الاسلام كما مر في ترجمة ابنه أبو الفضل، وهل هذا من الدائرة الا تناقض ظاهر. ومثل ما مر في الفساد والبطلان قوله فكان لهم ميل خاص إلى عقيدة الشمس الفارسية. إما قوله لم توجد ديانة شرقية الخ فهو كسابقه في تعليل خروج عزيز كوكا عن الاسلام يراد به تحسين مذهبه وتهجين مذهب غيره فلا يمكننا تصديقه فيه لصدوره عن هوى وغرض، وكل هذا تهافت وتناقض فهو تارة يجعله تاركا لدين الاسلام مائلا إلى المجوسية واخرى مائلا إلى النصرانية أكثر من ميله إلى كل الأديان واخرى تابعا مباركا وأولاده الذين هم مسلمون شيعيون.
زعم من زعم تهافته على كل دين فيما نقل في حاضر العالم الاسلامي عن مؤرخي الإفرنجة: يقال إن تهافت أكبر على كل دين واخذه بكل عقيدة ونزوعه إلى كل فلسفة كانت فيه حالة نفسية فطرية ناشئة عن شفوف صفحة طبيعته وسرعة انفعاله وكون روحه إلى النفس الأخير نظير روح غوته شاعر الألمان بقيت تتطلب زيادة الأنوار وتتلمس اكتناه الاسرار. وانه كان يعتقد باشراق الألوهية على كامل الوجود وبان كل دين من الأديان هو عبارة عن بارقة من هذا الحق المنبث في الكون ولم يبعد عن عقله امكان التأليف بين المذاهب قاطبة وتصور عقد مجمع ديني لهذه الغاية وأمل ان يوحد بين جميع العقائد الدينية في نقطة عامة وهذه النقطة العامة عنده على ما يقال مجوسية فارس. هكذا روى رينيه غروسه في الفصل الثالث من تاريخ آسية الذي لخصه من 36 تاريخا عن الهند أكثر بالانكليزية وبعضها بالفرنساوية ومن هذا البعض كتاب مدنية الهند لغستاف لوبون وآثار الهند اه وربما يستدل على ذلك بما مر من امره بترجمة كتب البراهمة وتبحره في مذهب بوذا.
ونقول ان صح تهافته على معرفة الأديان فذلك لأنه يريد زيادة التوثق من معرفة الصحيح منها ولأنه يعتقد ان الأديان السماوية كلها حق إما انه يعمل بجميع الشرائع والأديان ويعتقدها حقا مع أن بعضها باطل من أصله وبعضها منسوخ فلا يمكننا التصديق به لا سيما مع ما سبق من أنه كان يدين بالاسلام إما انه كان يريد التأليف بين المذاهب فليس بممتنع إما انه يربد توحيدها في نقطة عامة هي مجوسية فارس فكذب وافتراء بعد ما علم من صحة اسلامه ولعل مثل هذه الإشاعات كانت تصدر عن أعدائه في المذهب من المسلمين لا سيما ان صح ما قيل من شدة وطأته عليهم كما يؤيد ذلك ما مر في ترجمة أبو الفضل ابن مبارك. وترجمته لكتب البراهمة وتبحره في مذهب بوذا قد عرفت انه لا يدل على اعتقاد الصحة فيهما.
حاله مع النصرانية في حاضر العالم الاسلامي عن مؤرخي الإفرنجة ان أكبر لم يغفل عن