فركز فيها رمحه فاضطربت، وخر الفتى ميتا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لما أخبر بذلك -: إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام (1)، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.
جوع المسلمين وخبر البركة في الطعام وكان المسلمون قد أصابهم مجاعة شديدة، وكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدروا عليه، فأرسلت عمرة ابنة رواحة ابنتها بجفنة تمر عجوة في ثوبها إلى زوجها بشير ابن سعد بن ثعلبة الأنصاري، وإلى أخيها عبد الله بن رواحة - فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه فقال: تعالي يا بنية! ما هذا معك؟ فأخبرته، فأخذه في كفيه ونثره على ثوب بسط له، وقال لجعال بن سراقة: أصرخ، يا أهل الخندق أن هلم إلى الغداء: فاجتمعوا عليه يأكلون منه حتى صدر أهل الخندق وإنه ليفيض من أطراف الثوب. وأرسلت أم متعب (2) الأشهلية (3) بقبعة فيها حيس (4) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبته مع أم سلمة، فأكلت حاجتها، ثم خرج بالقبعة فنادى مناديه:
هلم إلى عشائه! فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي.
موادعة عيينة بن حصن ثم نقض ذلك وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه محصورين بضع عشرة ليلة حتى اشتد الكرب، وقال صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك إن تشأ لا تعبد. وأرسل إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف - وهما رئيسا غطفان - أن يجعل لهما ثلث تمر المدينة ويرجعان بمن معهما، فطلبا نصف التمر، فأبى عليهما إلا الثلث، فرضيا، وجاءا في عشرة من قومهما حتى تقارب الأمر، وأحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه الصلح - وعباد بن بشر قائم على