مسلمة أخويه من الرضاعة - فتحدثا وتناشدا الأشعار حتى قام القوم، فقال له:
كان قدوم هذا الرجل علينا من البلاء، حاربتنا العرب، ورمتنا عن قوس واحدة، وتقطعت السبل عنا حتى جهدت الأنفس، وضاع العيال، فقال كعب: قد كنت أحدثك بهذا أن الأمر سيصير إليه، قال أبو نائلة: ومعي رجال من أصحابي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بها فنبتاع منك طعاما وتمرا، ونرهنك ما يكون لك فيه ثقة، واكتم عنا ما حدثتك من ذكر محمد، قال: لا أذكر منه حرفا، لكن اصدقني، ما الذي تريدون في أمره؟ قال: خذلانه والتنحي عنه، قال:
سررتني، فماذا ترهنونني! قال الحلقة (1)، فرضي. وقام أبو نائلة من عنده على ميعاد. فأتى أصحابه فأجمعوا أن يأتوه إذا أمسى لميعاده، وأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، فمشى معهم ووجههم من البقيع (2) وقال: امضوا على بركة الله وعونه، وذلك بعد أن صلوا العشاء في ليلة مقمرة مثل النهار، فأتوا ابن الأشرف فهتف به أبو نائلة - وكان حديث عهد بعرس (3) - فوثب ونزل من حصنه إليهم، فجعلوا يتحادثون ساعة، ثم مشوا قبل شرج العجوز (4) ليتحادثوا بقية ليلتهم، فأدخل أبو نائلة يده في رأس كعب وقال: ما أطيب عطرك هذا!! ثم مشى ساعة وعاد لمثلها وأخذ بقرون (5) رأسه فضربه الجماعة بأسيافهم، ووضع محمد بن مسلمة مغولا (6) معه في سرة كعب حتى انتهى إلى عانته، فصاح صيحة أسمعت جمع آطام اليهود، فأشعلوا نيرانهم.
واحتز الجماعة رأس كعب واحتملوه وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد قام يصلي ليلته بالبقيع - فلم بلغوه كبروا فكبر صلى الله عليه وسلم ثم قال: أفلحت الوجوه، فقالوا:
ووجهك يا رسول الله. ورموا برأس كعب بين يديه، فحمد الله على قتله، وتفل على جرح الحارث بن أوس، وكان قد جرح ببعض سيوف أصحابه فبرأ من وقته.
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف فقال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فخافت اليهود فلم يطلع عظيم من عظمائهم ولم ينطقوا،