بمشهد أبي حنيفة وناب عن قاضي القضاة ابن فضلان الشافعي، ثم عن قاضي القضاة أبي صالح نصر بن عبد الرزاق الحنبلي، ثم عن قاضي القضاة عبد الرحمن بن مقبل الواسطي، ثم بعد وفاته في سنة ثلاث وثلاثين استقل القاضي عبد الرحمن اللمعاني بولاية الحكم ببغداد، ولقب أقضى القضاة، ولم يخاطب بقاضي القضاة، ودرس للحنفية بالمستنصرية في سنة خمس وثلاثين، وكان مشكور السيرة في أحكامه ونقضه وإبرامه. ولما توفي تولى بعده قضاء القضاة ببغداد شيخ النظامية سراج الدين النهرقلي رحمهما الله تعالى وتجاوز عنهما بمنه وكرمه آمين.
ثم دخلت سنة خمسين وستمائة هجرية فيها وصلت التتار إلى الجزيرة وسروج ورأس العين وما والى هذه البلاد، فقتلوا وسبوا ونهبوا وخربوا فإنا لله وإنا إليه راجعون. ووقعوا بسنجار يسيرون بين حران ورأس العين، فأخذوا منهم ستمائة حمل سكر ومعمول من الديار المصرية، وستمائة ألف دينار، وكان عدة من قتلوا في هذه السنة من أهل الجزيرة نحوا من عشرة آلاف قتيل، وأسروا من الولدان والنساء ما يقارب ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال السبط: وفيها حج الناس من بغداد، وكان لهم عشر سنين لم يحجوا من زمن المستنصر. وفيها وقع حريق بحلب احترق بسببه ستمائة دار (1)، ويقال إن الفرنج لعنهم الله ألقوه فيه قصدا. وفيها أعاد قاضي القضاة عمر بن علي النهرقلي أمر المدرسة التاجية التي كان قد استحوذ عليها طائفة من العوام، وجعلوها كالقيسارية يبتاعون فيها مدة طويلة، وهي مدرسة جيدة حسنة قريبة الشبه من النظامية، وقد كان بانيها يقال له تاج الملك، وزير ملك شاه السلجوقي، وأول من درس بها الشيخ أبو بكر الشاشي.
وفيها كانت وفاة:
جمال الدين بن مطروح (2) وقد كان فاضلا رئيسا كيسا شاعرا من كبار المتعممين، ثم استنابه الملك الصالح أيوب في وقت على دمشق فلبس لبس الجند. قال السبط: وكان لا يليق في ذلك. ومن شعره في الناصر داود صاحب الكرك لما استعاد القدس من الفرنج حين سلمت إليهم في سنة ست وثلاثين في الدولة الكاملية فقال هذا الشاعر، وهو ابن مطروح رحمه الله:
المسجد الأقصى له عادة * سارت فصارت مثلا سائرا