ثم على العلماء فتمحقت هذه الكتب وبيع أكثرها، وقد كان ياقوت هذا لديه فضيلة وأدب وشعر جيد، وكانت وفاته ببغداد في مستهل رجب، ودفن بمقبرة الخيزران بالقرب من مشهد أبي حنيفة.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة فيها كانت عامة أهل تفليس الكرج فجاؤوا إليهم فدخلوها فقتلوا العامة والخاصة، ونهبوا وسبوا وخربوا وأحرقوا، وخرجوا على حمية، وبلغ ذلك جلال الدين فسار سريعا ليدركهم فلم يدركهم. وفيها قتلت الإسماعيلية أميرا كبيرا من نواب جلال الدين بن خوارزم شاه، فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقا كثيرا، وخرب مدينتهم وسبى ذراريهم ونهب أموالهم، وقد كانوا قبحهم الله من أكبر العون على المسلمين، لما قدم التتار إلى الناس، وكانوا أضر على الناس منهم.
وفيها تواقع جلال الدين وطائفة كبيرة من التتار (1) فهزمهم وأوسعهم قتلا وأسرا، وساق وراءهم أياما فقتلهم حتى وصل إلى الري فبلغه أن طائفة قد جاؤوا لقصده فأقام يثبطهم، وكان من أمره وأمرهم ما سيأتي في سنة خمس وعشرين. وفيها دخلت عساكر الملك الأشرف بن العادل إلى أذربيجان فملكوا منها مدنا كثيرة وغنموا أموالا جزيلة، وخرجوا معهم بزوجة جلال الدين بنت طغرل، وكانت تبغضه وتعاديه، فأنزلوها مدينة خلاط وسيأتي ما كان من خبرهم في السنة الآتية.
وفيها قدم رسول الانبور ملك الفرنج في البحر إلى المعظم يطلب منه ما كان فتحه عمه السلطان الملك الناصر صلاح الدين من بلاد السواحل، فأغلظ لهم المعظم في الجواب وقال له: قل لصاحبك ما عندي إلا السيف والله أعلم. وفيها جهز الأشرف أخاه شهاب الدين غازي إلى الحج في محمل عظيم يحمل ثقله ستمائة جمل، ومعه خمسون هجينا، على كل هجين مملوك، فسار من ناحية العراق وجاءته هدايا من الخليفة إلى أثناء الطريق، وعاد على طريقه التي حج منها. وفيها ولي قضاء القضاة ببغداد نجم الدين أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل الواسطي، وخلع عليه كما هي عادة الحكام، وكان يوما مشهودا. وفيها كان غلاء شديد ببلاد الجزيرة وقل اللحم حتى حكى ابن الأثير: أنه لم يذبح بمدينة الموصل في بعض الأيام سوى خروف واحد في زمن الربيع، قال:
وسقط فيها عاشر أذار ثلج كثير بالجزيرة والعراق مرتين فأهلك الأزهار وغيرها، قال: وهذا شئ لم يعهد مثله، والعجب كل العجب من العراق مع كثرة حره كيف وقع فيه مثل هذا.
وممن توفي فيها من الأعيان:
جنكيزخان السلطان الأعظم عند التتار والد ملوكهم اليوم، ينتسبون إليه ومن عظم القان إنما يريد هذا