يفعلوا (1)، فقدر الله تعالى أنهم ضاقت عليهم الأقوات فقدم عليهم مراكب فيها ميرة لهم فأخذها الأسطول البحري وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في نفسهم، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن، فعند ذلك أنابوا إلى المصالحة بلا معاوضة، فجاء مقدموهم إليه وعنده أخواه المعظم عيسى وموسى الأشرف، وكانا قائمين بين يديه، وكان يوما مشهودا، فوقع الصلح (2) على ما أراد الكامل محمد بيض الله وجهه، وملوك الفرنج والعساكر كلها واقفة بين يديه، ومد سماطا عظيما، فاجتمع عليه المؤمن والكافر والبر والفاجر، وقام راجح الحلي الشاعر فأنشد:
هنيئا فإن السعد راح مخلدا * وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا * مبينا وإنعاما وعزا مؤبدا تهلل وجه الدهر بعد قطوبه * وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا ولما طغى البحر الخضم بأهله الطغاة * وأضحى بالمراكب مزبدا أقام لهذا الدين من سل عزمه * صقيلا كما سل الحسام مجردا فلم ينج إلا كل شلو مجدل * ثوى منهم أو من تراه مقيدا ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عقيرته في الخافقين ومنشدا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه * وموسى جميعا يخدمون محمدا قال أبو شامة: وبلغني أنه أشار عند ذلك إلى المعظم عيسى والأشرف موسى والكامل محمد، قال: وهذا من أحسن شئ اتفق، وكان ذلك يوم الأربعاء التاسع عشر رجب من هذه السنة، وتراجعت الفرنج إلى عكا وغيرها، ورجع المعظم إلى الشام واصطلح الأشرف والكامل على أخيهما المعظم. وفيها ولى الملك المعظم قضاء دمشق كمال الدين المصري الذي كان وكيل بيت المال بها، وكان فاضلا بارعا يجلس في كل يوم جمعة قبل الصلاة بالعادلية بعد فراغها لاثبات المحاضر، ويحضر عنده في المدرسة جميع الشهود من كل المراكز حتى يتيسر على الناس إثبات كتبهم في الساعة الواحدة، جزاه الله خيرا.
وممن توفي فيها من الأعيان: