لو كان هذا العلم شخصا ناطقا * وسألته هل زار مثلي؟ قال: لا ومن شعره وقيل هو لغيره:
إذا قنعت بميسور من القوت * بقيت في الناس حرا غير ممقوت ياقوت يومي إذا ما در حلقك لي * فلست آسي على در وياقوت وله من النظم والنثر شئ كثيرا جدا، وله كتاب سماه لقط الجمان في كان وكان، ومن لطائف كلامه قوله في الحديث: " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين " (1) إنما طالت أعمار من قبلنا لطول البادية، فلما شارف الركب بلد الإقامة قيل لهم حثوا المطي، وقال له رجل أيما أفضل؟ أجلس أسبح أو أستغفر؟ فقال الثوب الوسخ أحوج إلى البخور. وسئل عمن أوصى وهو في السياق فقال: هذا طين سطحه في كانون. والتفت إلى ناحية الخليفة المستضئ وهو في الوعظ فقال: يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك، وإن سكت خفت عليك، وإن قول القائل لك اتق الله خير لك من قوله لكم إنكم أهل بيت مغفور لكم، كان عمر بن الخطاب يقول: إذا بلغني عن عامل لي أنه ظلم فلم أغيره فأنا الظالم، يا أمير المؤمنين. وكان يوسف لا يشبع في زمن القحط حتى لا ينسى الجائع، وكان عمر يضرب بطنه عام الرمادة ويقول قرقرا ولا تقرقرا، والله لا ذاق عمر سمنا ولا سمينا حتى يخصب الناس. قال فبكى المستضئ وتصدق بمال كثير، وأطلق المحابيس وكسى خلقا من الفقراء. ولد ابن الجوزي في حدود سنة عشر وخمسمائة كما تقدم، وكانت وفاته ليلة الجمعة بين العشاءين الثاني عشر من رمضان من هذه السنة، وله من العمر سبع وثمانون سنة، وحملت جنازته على رؤوس الناس، وكان الجمع كثيرا جدا، ودفن بباب حرب عند أبيه بالقرب من الإمام أحمد، وكان يوما مشهودا، حتى قيل: إنه أفطر جماعة من الناس من كثرة الزحام وشدة الحر، وقد أوصى أن يكتب على قبره هذه الأبيات:
يا كثير العفو يا من * كثرت ذنبي لديه جاءك المذنب يرجو الصفح * عن جرم يديه أنا ضيف وجزاء * الضيف إحسان إليه وقد كان له من الأولاد الذكور ثلاثة: عبد العزيز - وهو أكبرهم - مات شابا في حياة والده في سنة أربع وخمسين، ثم أبو القاسم علي، وقد كان عاقا لوالده إلبا عليه في زمن المحنة وغيرها، وقد تسلط على كتبه في غيبته بواسط فباعها بأبخس الثمن، ثم محيي الدين يوسف، وكان أنجب أولاده وأصغرهم ولد سنة ثمانين [وخمسمائة] ووعظ بعد أبيه، واشتغل وحرر وأتقن وساد أقرانه، ثم باشر حسبة بغداد، ثم صار رسول الخلفاء إلى الملوك بأطراف البلاد، ولا سيما بني أيوب بالشام، وقد