وكان أعز عليه من أهله وأولاده، وتساعدا حتى فتح الأقاليم والبلاد، هذا بحسامه وسنانه، وهذا بقلمه ولسانه وبيانه وقد كان الفاضل من كثرة أمواله كثير الصدقات والصلات والصيام والصلاة، وكان يواظب كل يوم وليلة على ختمة كاملة، مع ما يزيد عليها من نافلة، رحيم القلب حسن السيرة، طاهر القلب والسريرة له مدرسة بديار مصر على الشافعية والمالكية، وأوقاف على تخليص الأسارى من يدي النصارى، وقد اقتنى من الكتب نحوا من مائة ألف كتاب، وهذا شئ لم يفرح به أحد من الوزراء ولا العلماء ولا الملوك، ولد في سنة ثنتين (1) وخمسمائة، توفي يوم دخل العادل إلى قصر مصر بمدرسته فجأة يوم الثلاثاء سادس ربيع الآخر، واحتفل الناس بجنازته، وزار قبره في اليوم الثاني الملك العادل، وتأسف عليه، ثم استوزر العادل صفي الدين بن شكر، فلما سمع الفاضل بذلك دعا الله أن لا يحييه إلى هذه الدولة لما بينهما من المنافسة، فمات ولم ينله أحد بضيم ولا أذى، ولا رأى في الدولة من هو أكبر منه، وقد رثاه الشعراء بأشعار حسنة، منها قول القاضي هبة الله بن سناء الملك:
عبد الرحيم على البرية رحمة * أمنت بصحبتها حلول عقابها يا سائلي عنه وعن أسبابه * نال السماء فسله عن أسبابها وأتته خاطبة إليه وزارة * ولطال ما أعيت على خطابها وأتت سعادته إلى أبوابه * لا كالذي يسعى إلى أبوابها تعنو الملوك لوجهه بوجوهها * لا بل تساق لبابه برقابها شغل الملوك بما يزول ونفسه * مشغولة بالذكر في محرابها في الصوم والصلوات أتعب نفسه * وضمان راحته على إتعابها وتعجل الاقلاع عن لذاته * ثقة بحسن مآلها ومآبها فلتفخر الدنيا بسائس ملكها * منه ودارس علمها وكتابها صوامها قوامها علامها * عمالها بذالها وهابها والعجب أن الفاضل مع براعته ليس له قصيدة طويلة، وإنما له ما بين البيت والبيتين في أثناء رسائله وغيرها شئ كثير جدا، فمن ذلك قوله:
سبقتم بإسداء الجميل تكرما * وما مثلكم فيمن يحدث أو يحكى وكان ظني أن أسابقكم به * ولكن بلت قبلي فهيج لي البكا وله:
ولي صاحب ما خفت من جور حادث * من الدهر إلا كان لي من ورائه