وفيها خرج الملك الظاهر في عساكره فقصد بلاد الساحل لقتال الفرنج ففتح قيسارية في ثلاث ساعات من يوم الخميس ثامن (1) جمادى الأولى يوم نزوله عليها، وتسلم قلعتها في يوم الخميس الآخر خامس عشره فهدمها وانتقل إلى غيرها، ثم جاء الخبر بأنه فتح مدينة أرسوف وقتل من بها من الفرنج وجاءت البريدية بذلك (2). فدقت البشائر في بلاد المسلمين وفرحوا بذلك فرحا شديدا. وفيها ورد خبر من بلاد المغرب بأنهم انتصروا على الفرنج وقتلوا منهم خمسة وأربعين ألفا، وأسروا عشرة آلاف، واسترجعوا منهم ثنتين وأربعين بلدة منها برنس وإشبيلية وقرطبة ومرسية، وكانت النصرة في يوم الخميس رابع عشر رمضان سنة ثنتين وستين.
وفي رمضان من هذه السنة شرع في تبليط باب البريد من باب الجامع إلى القناة التي عند الدرج وعمل في الصف القبلي منها بركة وشاذروان. وكان في مكانها قناة من القنوات ينتفع الناس بها عند انقطاع نهر ماناس فغيرت وعمل الشاذروان، ثم غيرت وعمل مكانها دكاكين.
وفيها استدعى الظاهر نائبه على دمشق الأمير آقوش، فسار إليه سامعا مطيعا، وناب عنه الأمير علم الدين الحصني حتى عاد مكرما معزوزا.
وفيها ولى الظاهر قضاة من بقية المذاهب في مصر مستقلين بالحكم يولون من جهتهم في البلدان أيضا كما يولى الشافعي، فتولى قضاء الشافعية التاج عبد الوهاب ابن بنت الأعز، والحنفية شمس الدين سليمان، والمالكية شمس الدين السبكي، والحنابلة شمس الدين محمد المقدسي، وكان ذلك يوم الاثنين الثاني والعشرين من ذي الحجة بدار العدل، وكان سبب ذلك كثرة توقف القاضي ابن بنت الأعز في أمور تخالف مذهب الشافعي، وتوافق غيره من المذاهب، فأشار الأمير جمال الدين أيد غدي العزيزي على السلطان بأن يولي من كل مذهب قاضيا مستقلا يحكم بمقتضى مذهبه، فأجابه إلى ذلك، وكان يحب رأيه ومشورته، وبعث بأخشاب ورصاص وآلات كثيرة لعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسل منبرا فنصب هنالك.
وفيها وقع حريق عظيم ببلاد مصر واتهم النصارى فعاقبهم الملك الظاهر عقوبة عظيمة (3).
وفيها جاءت الاخبار بأن سلطان التتار هولاكو هلك إلى لعنة الله وغضبه في سابع (4) ربيع الآخر بمرض الصرع بمدينة مراغة، ودفن بقلعة تلا وبنيت عليه قبة واجتمعت التتار على ولده