وبرع في علم الحديث وحفظ الجمع بين الصحيحين بالفاء والواو، وحفظ قطعة صالحة من مسند أحمد، وكان يعرف العربية أخذها عن التاج الكندي، وكتب مليحا حسنا، وكان الناس ينتفعون بفنونه الكثيرة، ويأخذون عنه الطرق الحسنة، وقد حصلت له وجاهة عظيمة عند الملوك، توضأ مرة عند الملك الأشرف بالقلعة حال سماع البخاري على الزبيدي، فلما فرغ من الوضوء نفض السلطان تخفيفته وبسطها على الأرض ليطأ عليها، وحلف السلطان له إنها طاهرة ولا بد أن يطأ برجليه عليها ففعل ذلك. وقدم الكامل على أخيه الأشرف دمشق فأنزله القلعة وتحول الأشرف لدار السعادة وجعل يذكر للكامل محاسن الشيخ الفقيه، فقال الكامل: أحب أن أراه، فأرسل إليه إلى بعلبك بطاقة واستحضره فوصل إلى دار السعادة، فنزل الكامل إليه وتحادثا وتذاكرا شيئا من العلم، فجرت مسألة القتل بالمثقل، وجرى ذكر حديث الجارية التي قتلها اليهودي فرض رأسها بين حجرين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال الكامل: إنه لم يعترف. فقال الشيخ الفقيه في صحيح مسلم " فاعترف "، فقال الكامل: أنا اختصرت صحيح مسلم ولم أجد هذا فيه، فأرسل الكامل فأحضر خمس مجلدات اختصاره لمسلم، فأخذ الكامل مجلدا والأشرف آخر وعماد الدين بن موسك آخر وأخذ الشيخ الفقيه مجلدا فأول ما فتحه وجد الحديث كما قال الشيخ الفقيه، فتعجب الكامل من استحضاره وسرعة كشفه، وأراد أن يأخذه معه إلى الديار المصرية فأرسله الأشرف سريعا إلى بعلبك، وقال للكامل: إنه لا يؤثر ببعلبك شيئا، فأرسل له الكامل ذهبا كثيرا، قال ولده قطب الدين: كان والدي يقبل بر الملوك ويقول أنا لي في بيت المال أكثر من هذا، ولا يقبل من الامراء ولا من الوزراء شيئا إلا أن يكون هدية مأكول ونحوه، ويرسل إليهم من ذلك فيقبلونه على سبيل التبرك والاستشفاء.
وذكر أنه كثر ماله وأثرى، وصار له سعة من المال كثيرة، وذكر له أن الأشرف كتب له كتابا بقرية يونين وأعطاه لمحيي الدين بن الجوزي ليأخذ عليه خط الخليفة، فلما شعر والدي بذلك أخذ الكتاب ومزقه وقال: أنا في غنية عن ذلك، قال وكان والدي لا يقبل شيئا من الصدقة ويزعم أنه من ذرية علي بن أبي طالب من جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال وقد كان قبل ذلك فقيرا لا شئ له، وكان للشيخ عبد الله زوجه ولها ابنة جميلة، وكان الشيخ يقول لها: زوجيها من الشيخ محمد، فتقول إنه فقير وأنا أحب أن تكون ابنتي سعيدة، فيقول الشيخ عبد الله كأني أنظر إليهما إياه وإياها في دار فيها بركة وله رزق كثير والملوك يترددون إلى زيارته، فزوجتها منه فكان الامر كذلك، وكانت أولى زوجاته رحمه الله تعالى.
وكانت الملوك كلهم يحترمونه ويعظمونه ويجيئون إلى مدينته، بنو العادل وغيرهم، وكذلك كان مشايخ الفقهاء كابن الصلاح، وابن عبد السلام، وابن الحاجب، والحصري، وشمس الدين بن سنى الدولة، وابن الجوزي، وغيرهم يعظمونه ويرجعون إلى قوله لعلمه وعمله وديانته