في الداعوية العقلية . ثانيهما: عدم المانع من التشريع على طبقها وان كانت فعلية التأثير في الداعوية العقلية، حيث قد يكون في جعل الشارع للحكم وانتسابه له مفاسد أهم من مصلحة حفظ مقتضيات الدواعي العقلية، وتلزم بجعل الحكم منه على نحو آخر. نظير رفع القلم عن الصبي المميز، فان الداعي العقلي في حقه وان كان فعليا فيحسن منه ويقبح ما يحسن من البالغ ويقبح عقلا الا أن الشارع الأقدس حيث أدرك المفسدة في الزامه بمقتضاه شرعا تعين رفع القلم عنه من قبله الراجع في ترخيصه بمخالفته.
ولعل كثيرا من المستحبات والمكروهات انما لم يكن حكمها الزاميا للمانع من الزام الشارع فيها، لا لقصور مقتضى الداعوية العقلية فيها عن الالزام، كما فيما لو كان المانع من الالزام مصلحة التسهيل والامتنان، لوضوح عدم كون المنة والتسهيل من المصالح المترتبة على الفعل أو الترك والصالحة لمزاحمة مقتضى الداعي العقلي بنحو تمنع من كون داعويته الزامية، بل من الجهات المانعة من نفس الالزام والتكليف، مع بقاء الفعل على ما هو عليه من الداعوية العقلية، نظير مصلحة رفع الالزام عن الصبي المميز.
وأما ما تضمن اهتمام شريعة الاسلام بالفضائل ومحاسن الأخلاق كالنبوي المشهور: (بعثت لا تتم مكارم الأخلاق). فهو محمول على كون الاهتمام بها مقتضى طبع التشريع والأصل الأولى فيه، في مقابل الشرايع الباطلة المهملة لذلك، أو المبنية على انتهاك الحرمات وترويج الرذائل والتشجيع، فلا ينافي ملاحظة المزاحمات والموانع في مقام التشريع المذكور والوقوف عندها.
ومن هنا يمتنع البناء على ملازمة حكم الشرع لحكم العقل بحسن الشئ أو قبحه، بنحو ينتقل من الثاني للأول، وينفع في الاستنباط، لما هو المعلوم من عدم إحاطة العقل بكثير من المزاحمات لمقتضيات الداعوية العقلية التي لو