وداعوية العقل على طبقهما، واستحقاق المدح والذم بمتابعة الداعوية المذكورة ومخالفتها، فان ذلك حكم العقل نفسه وليس ادراك الشارع له الا كادراك غيره من العقلاء لا يصحح نسبة الحكم إليه بنحو تكون موافقته ومخالفته طاعة له مستتبعة لاستحقاق ثوابه ومعصية له مستتبعة لاستحقاق عقابه.
وأما ما ذكره بعض المعاصرين من أن المراد باستحقاق المدح والذم المفروض في حكم العقل بالتحسين والتقبيح المجازاة بالخير الشامل للثواب والمكافأة بالشر الشامل للعقاب.
فهو كما ترى! لوضوح أن الموافق للداعي العقلي لا يستحق على سائر العقلاء الثواب، كما لا يستحق المخالف له العقاب منهم، مع أنهم يشاركون الشارع في ادراك حكم العقل المذكور، بل لا يصح منهم الا المدح والذم المساوقات لمفاد (نعم) و (بئس).
وانما يصح من الشارع العقاب لتميزه عنهم بكونه المنعم المالك الذي له حق الطاعة على عبده، ويترتب على ثبوت الحق المذكور مقتضاه من استحقاق حسن الجزاء على أدائه وسوء العقاب على التفريط فيه.
ومن الظاهر أن حق الطاعة فرع نسبة الحكم للمولى زائدا على حكم العقل به، وهو لا يكون الا بجعل الحكم المولوي منه زائدا على ادراكه مقتضى حكم العقل.
ودعوى: أنه يكفي في نسبة الحكم إليه حكمه به بما هو عاقل كسائر العقلاء، وانما يفترق عنهم بأنه يستحق الطاعة على العبيد، فينبغي منه ثوابه عليها، ويستحق عقابه بالتفريط فيها، بخلافهم، وإذا لم يستحقوا الطاعة لم ينتظر منهم الثواب عليها ولا يصح منهم العقاب على التفريط فيها، وان كان الحكم منسوبا لهم بمجرد حكمهم به بما هم عقلاء، كما ينسب للشارع.
ممنوعة، والا لزم انقلاب الاحكام الارشادية إلى أحكام مولوية، لادراك