فالأولى ايكاله إلى مورد الحاجة إليه من الفقه، وبحثه بالمقدار الذي يقتضيه المورد.
وأما الثاني فهو يبتنى على قاعدة المقتضى التي لم تثبت كلية، كما لم يتضح التعويل عليها في خصوص المورد، وانما ثبت الرجوع إليها في بعض الموارد لخصوصيتها.
ولا مجال لقياس المقام بما لو احتمل وجود المزاحم لحسن الحسن وقبح القبيح، حيث لا يعتد به العقل في رفع اليد عن داعويته على طبق الحسن أو القبح المعلوم، فلا ينبغي بنظره الكذب لاحتمال ترتب مصلحة مهمة عليه، ولا ترك الصدق لاحتمال ترتب مفسدة مهمة عليه.
للفرق بأن الشك في المزاحم انما هو بعد احراز تمامية موضوع الداعوية العقلية، نظير ما لو شك في وجود المزاحم للتكليف الشرعي المعلوم.
أما في المقام فالشك في تمامية موضوع الداعوية الشرعية، حيث لم يحرز الا المقتضى للملاك، وهو الحسن أو القبح العقليين، مع احتمال وجود المانع من تأثيره في لزوم الجعل الشرعي، فينحصر الامر فيه بقاعدة المقتضى الذي ذكرنا عدم تماميتها.
وقد تحصل من جميع ما تقدم: أن التحسين والتقبيح العقليين وان كانا ثابتين، بمعنى ادراك العقل الحسن والقبح في بعض الموارد وداعويته على طبقهما، الا أنهما لا يستلزمان حكم الشارع الأقدس على طبقهما، لامكان اطلاعه على ما يزاحم مقتضياتهما، أو على ما يمنع من جعل الحكم من قبله على طبقهما. كما لا يستتعبان لزوم البناء ظاهرا على جعل الحكم الشرعي، لينفع ذلك في مقام الاستنباط.
نعم، لو حسن جعل التكليف من قبله اما لحسن متعلقه أو قبحه من دون مزاحم يوجب قصور داعويتهما عقلا، ولا مانع من جعل الحكم الشرعي على