لمزاحمتها بالدواعي الأخرى التي هي أقوى منها في حق أكثر الناس، فيجب على الشارع لحفظ مقتضيات الاحكام العقلية جعل الحكم على طبقها، للتأكد الداعوية العقلية بالداعوية الشرعية، حيث يتسنى بجعل الحكم الشرعي الجري على مقتضاه لأجله تعالى والعمل لحسابه، لكونه المنعم المالك الكامل القادر، اما لأنه اللازم الشكر لانعامه، أو الذي هو أهل لان يعبد بالطاعة لكماله، فيتأكد الداعي العقلي بمثله، أو لأنه المحبوب لانعامه وكماله، فيتأكد الداعي العقلي بالداعي العاطفي، أو لأنه المرجو المرهوب، لمالكيته وقدرته، المستلزمين لاستحقاق الثواب ورجائه، واستحقاق العقاب ورهبته، فيتأكد الداعي العقلي بالداعي الفطري الراجع لتحصيل النفع ودفع الضرر، الذي هو أقوى الدواعي عند العامة.
لكن ذلك لا يكون لمجرد حكم العقل بحسن الحسن وقبح القبيح، وداعويته لفعل الأول وترك الثاني، بل هو تابع لحكم عقلي آخر متفرع على الحكم المذكور، وهو وجوب حفظ مقتضى حكم العقل المذكور بالتشريع على طبقه، نظير تشريع وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر المتفرع ثبوت المعروف والمنكر تشريعا.
وذلك الحكم مختص بالشارع الأقدس، لاختصاص القدرة على مقتضاه به، بلحاظ علمه المطلق التام بمقتضيات الحسن والقبح بخصوصياتها وبموارد تزاحمها، وقدرته على حفظها بالدواعي المذكورة آنفا بسبب التشريع، لواجديته لجهاتها، وقدرته على الثواب والعقاب بأتم وجه، وكل ذلك مما ينفرد به جل شأنه وعز اسمه وعظمت آلاؤه ونعماؤه.
هذا، ولكن وجوب حفظ مقتضيات الدواعي العقلية بالتشريع لابد فيه من أمرين..
أحدهما: عدم المزاحم للمقتضيات المذكورة بما يمنع من فعلية تأثيرها