المبحث الأول في ثبوت الحكم للعقل في الوقائع وعدمه من الظاهر أن صدور الفعل الاختياري لابد له من داع في الفعل يدركه الفاعل فينبعث عنه، كما لا اشكال في وجود الدواعي الفطرية كطلب النفع ودفع الضرر والعاطفية كالحب والرحمة والبغض والقسوة والشهوة والغضب والتأديبية الشرعية والخلقية والعاديات العرفية والشخصية.
وانما الاشكال في وجود الدواعي العقلية التي تصلح لداعوية العقل بما هو عاقل مجرد عن كل داع خارج عن الفعل، وهي دواعي الحسن والقبح، فقد اشتهر النزاع بين العدلية والأشاعرة في ذلك، فادعى العدلية وجود الحسن والقبح في الأشياء في الجملة لا بمعنى أن كل شئ اما حسن أو قبيح، بل في مقابل السلب الكلى بحيث لو أدركت جهاتهما كانت صالحة للداعوية العقلية.
وأنكر ذلك الأشاعرة مدعين أن الحسن ما حسنه الشارع، والقبيح ما قبحه، وبدونه فالأشياء كلها على نحو واحد ليس فيها حسن ولا قبح.
والحق الأول، وقد استدل عليه بوجوه متعددة، ولعل الأولى الاقتصار على وجهين:
أولهما: الرجوع للوجدان، فان الانسان بوجدانه المجرد عن شوائب الشبهات والأوهام والمنزة عن الدواعي الخارجية الشهوية والغضبية وغيرها يرى أن هناك أمورا حسنة ينبغي فعلها ويمدح فاعلها، كالصدق والوفاء والاحسان والايثار، وأخرى قبيحة لا ينبغي فعلها ويذم فاعلها، كالكذب والخيانة والايذاء والتعدي. وانكار ذلك مكابرة لا يصغى إليها قد تبتنى على