تطابق آراء العقلاء الا لاشتراكهم في العقل الداعي لذلك.
وبالجملة: لا دخل لتطابق آراء العقلاء في ثبوت الحسن والقبح، ولا في الداعوية لفعل الحسن وترك القبيح، كما تقدم أنه غير دخيل في اثبات التحسين والتقبيح واقرار الانسان بهما.
هذا، ولبعض المعاصرين قدس سره في منطقه عند شرح حقيقة الخلقيات من المشهورات كلام يقارب ما ذكرنا لو لم يطابقه، قال: (والصحيح في هذا الباب أن يقال: ان الله تعالى خلق في قلب الانسان حسا وجعله حجة عليه يدرك به محاسن الافعال ومقابحها، وذلك الحس هو الضمير بمصطلح علم الأخلاق الحديث، وقد يسمى بالقلب أو العقل العملي أو العقل المستقيم أو الحس السليم عند قدماء علماء الأخلاق وتشير إليه كتب الأخلاق عندهم. فهذا الحس في القلب أو الضمير هو صوت الله المدوي في دخيلة نفوسنا يخاطبها به ويحاسبها عليه. ونحن نجده كيف يؤنب مرتكب الرذيلة، ويقر عين فاعل الفضيلة، وهو موجود في قلب كل انسان، وجميع الضمائر تتحد في الجواب عند استجوابها عن الافعال، فهي تشترك جميعا في التمييز بين الفضيلة والرذيلة، وان اختلفت في قو ة هذا التمييز وضعفه، كسائر قوى النفس، إذ تتفاوت في الافراد قوة وضعفا. ولأجل هذا كانت الخلقيات من المشهورات وان كانت الأخلاق الفاضلة ليست عامة بين البشر، بل هي من خاصة الخاصة.
نعم الاصغاء إلى صوت الضمير والخضوع له لا يسهل على كل انسان الا بالانقطاع إلى دخيلة نفسه والتحول عن شهواته وأهوائه...).
وهو كما ترى صريح في أن اقرار عين فاعل الفضيلة وتأنيب مرتكب الرذيلة متفرع على ادراك حسن الأشياء وقبحها، وأن قوة الادراك مودعة في الانسان غير مكتسبة من تطابق العقلاء، بل تطابقهم هو المسبب عن واجديتهم للقوة المذكورة.