والحكمان المذكوران مختلفان سنخا ومترتبان في أنفسهما ترتب الحكم والموضوع.
ونظير ذلك ادراك الانسان اللذات ثم دعوة النفس لتحصيلها، وغير ذلك من الداعويات المختلفة.
وتحقيق أن الحاكم بهما العقل النظري أو العملي يرجع على الظاهر يبتنى على محض اصطلاح لا مشاحة فيه. والمهم ما ذكرنا.
هذا، وقد ذكر بعض المعاصرين في أصوله أنه ليس للحسن والقبح واقعية الا ادراك العقلاء، وتطابقهم على أن الشئ ينبغي أن يفعل أو يترك، وأن ذلك من التأديبات الصلاحية الداخلة في القضايا المشهورة التي ليس لها واقع وراء تطابق العقلاء. قال: (فمعنى حسن العدل أن العلم عندهم أو فاعله ممدوح لدى العقلاء، ومعنى قبح الظلم والجهل أن فاعله مذموم لديهم. ويكفينا شاهدا على ما نقول من دخول أمثال هذه القضايا في المشهورات الصرفة التي لا واقع لها الا الشهرة، وأنها ليست من قسم الضروريات ما قاله الشيخ الرئيس في منطق الإشارات، ومنها الآراء المسماة بالمحمود ة. وربما خصصناها باسم الشهرة إذ لا عمد ة لها الا الشهرة، وهي آراء لو خلى الانسان وعقله المجرد ووهمه وحسه ولم يؤدب بقبول قضاياها والاعتراف بها... لم يقض بها الانسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسه، مثل حكمنا بأن سلب مال الانسان قبيح، وأن الكذب قبيح، لا ينبغي أن يقدم عليه. وهكذا وافقه شارحها العظيم الخواجة نصير الدين الطوسي).
ومرجع ذلك إلى انكار الحكم الأول الذي ذكرناه آنفا، وأن الحسن والقبح عبارة عن الحكم الثاني مما سبق.
ولا مجال للبناء عليه، لوضوح أن مدح العقلاء وذمهم على الفعل ليس اعتباطيا، بل لادراكهم أمرا فيه يقتضى فعله أو تركه، تكون الداعوية العقلية