أدلة نفي الحرج على أدلة نفي الضرر، فان كل واحد منهما ناظر إلى الأدلة الدالة على الاحكام الأولية. ويقيدها بغير موارد الحرج والضرر في مرتبة واحدة، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر.
(الوجه الثاني) - ان تصرف المالك في ملكه في المقام لا بد من أن يكون له حكم مجعول من قبل الشارع: إما الجواز أو الحرمة، فلا محالة يكون أحدهما خارجا عن دليل لا ضرر. ولا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيكون دليل لا ضرر مجملا بالنسبة إليهما، فلا يمكن التمسك بحديث لا ضرر بشئ منهما، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الحرمة. ويحكم بجواز التصرف.
وفيه ما تقدم من أن الدليل لا ضرر لا يشمل إلا الاحكام الالزامية، لأنه ناظر إلى نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. والضرر في الاحكام الترخيصية لا يستند إلى الشارع، حتى يكون مرتفعا بحديث لا ضرر، فحرمة الاضرار بالغير تكون مشمولة لحديث لا ضرر ومرتفعة به دون الترخيص.
هذا ولكن التحقيق عدم شمول حديث لا ضرر للمقام، لان مقتضى الفقرة الأولى عدم حرمة التصرف لكونها ضررا على المالك. ومقتضى الفقرة الثانية - وهي لا ضرار - حرمة الاضرار بالغير على ما تقدم بيانه، فيقع التعارض بين الصدر والذيل، فلا يمكن العمل بإحدى الفقرتين. وإن شئت قلت إن حديث لا ضرر لا يشمل المقام أصلا لا صدرا ولا ذيلا، لما ذكرناه من كونه واردا مورد الامتنان على الأمة الاسلامية، فلا يشمل موردا كان شموله له منافيا للامتنان. ومن المعلوم ان حرمة التصرف والمنع عنه مخالف للامتنان على المالك. والترخيص فيه خلاف الامتنان على الجار، فلا يكون شئ منهما مشمولا لحديث لا ضرر. وبما ذكرناه ظهر انه لا يمكن التمسك بحديث لا ضرر