لان كلا من الحكمين المجهولين مورد لأصالة البراءة ومأمون من العقاب على مخالفته، سواء كان أحدهما على تقدير ثبوته في الواقع أهم من الاخر أم لم يكن واما بناء على كون الحكم فيه هو التخيير العقلي، فالمقام يندرج في كبرى دوران الامر بين التعيين والتخيير. وهل الحكم فيه هو التعيين أو التخيير؟
وجهان بل قولان، ذهب صاحب الكفاية (ره) إلى التعيين، بدعوى ان العقل يحكم بتعيين محتمل الأهمية، كما هو الحال في جميع موارد التزاحم عند احتمال أهمية أحد المتزاحمين بخصوصه. واختار المحقق النائيني (ره) الحكم بالتخيير على خلاف ما اختاره في باب التزاحم. وهذا هو الصحيح، وذلك لأن المزاحمة بين الحكمين في باب التزاحم انما تنشأ من شمول اطلاق كل من الخطابين لخال الاتيان بمتعلق الآخر، فإذا لم يمكن الجمع بينهما لعدم القدرة عليه فلا مناص من سقوط أحد الاطلاقين، فان كان أحدهما أهم من الآخر كان الساقط غيره، والا سقط الاطلاقان معا، لبطلان الترجيح بلا مرجح. هذا فيما إذا علم كون أحدهما المعين أهم، أو علم تساويهما. وأما إذا احتمل أهمية أحدهما المعين، فسقوط الاطلاق في غيره معلوم على كل تقدير. إنما الشك في سقوط إطلاق ما هو محتمل الأهمية. ومن الظاهر أنه مع الشك في سقوط إطلاقه يتعين الاخذ به، فتكون النتيجة لزوم الاخذ بمحتمل الأهمية وترك غيره.
هذا فيما إذا كان لكل من دليلي الحكمين اطلاق. وإما إذا لم يكن لشئ منهما اطلاق، وكان كل من الحكمين ثابتا باجماع ونحوه، فالوجه في تقديم محتمل الأهمية هو ان كلا من الحكمين يكشف عن اشتمال متعلقه على الملاك الملزم وعجز المكلف عن استيفائهما معا يقتضى جواز تفويت أحدهما، فعند احتمال أهمية أحد الحكمين بخصوصه يقطع بجواز استيفاء ملاكه وتفويت ملاك الآخر على كل تقدير. واما تفويت ملاك ما هو محتمل الأهمية - ولو باستيفاء ملاك