وحضوره بنفسه، ويعبر عنه بالعلم الحضوري فلا يعقل أن يكون الانسان عالما بشئ مع كونه غير ملتفت إلى علمه، بل هو ملتفت إليه دائما ولو بالالتفات الاجمالي الارتكازي.
وأما ما ذكره أخيرا من أنه لم يصدر منه فعل بالاختيار، كما إذا قطع بكون مائع خمرا فشربه ولم يكن في الواقع خمرا... ففيه ان الفعل أي شرب الماء لم يقع في الخارج بلا إرادة وقصد بالضرورة، بل وقع مع القصد إليه بعنوان انه شرب الخمر، وهو عنوان موجب لقبحه. و (بعبارة أخرى) القطع بكون مائع خمرا لا يجعل شربه اضطراريا غير متصف بالقبح ولا بالحسن، إذا يكفي في كونه اختياريا صدوره عن إرادة وقصد إليه، ويكفي في قبحه الالتفات الاجمالي إلى جهة قبحه، وهي كونه مقطوع الحرمة.
وأما ما ذكره المحقق النائيني (ره) من دعوى الوجدان (فقيه) أن الوجدان شاهد على خلافه، وأن العقل حاكم بقبح الفعل المتجرى به، بمعنى انه يدرك ان الفعل المذكور تعد على المولى وهتك لحرمته، وخروج عن رسوم عبوديته. وان الفاعل يستحق الذم واللوم، كيف؟ ولا خلاف بين العقلاء في حسن الانقياد عقلا، بمعنى ان العقل يدرك انه جري على وظيفة العبودية، وان الفاعل مستحق للمدح والثناء ولذا أنكر عدة من العلماء دلالة اخبار من بلغ على الاستحباب الشرعي، وحملها على أن المراد اعطاء الأجر والثواب من باب الانقياد، مع أن الانقياد والتجري - مع التحفظ بتقابلهما - من واد واحد، فكما أن الانقياد حسن عقلا بلا خلاف بين العقلاء، كذلك لا ينبغي الشك في أن التجري قبيح عقلا. فالانصاف ان الدعوى الأولى - التي هي بمنزلة الصغرى، وهي قبح الفعل المتجري به عقلا - مما لا مناص من التسليم به. واما الدعوى الثانية - التي هي بمنزلة الكبري، وهي ان قبح الفعل عقلا يستلزم حرمته شرعا،