التجري أي مخالفة القطع المخالف للواقع، فقيه - مضافا إلى فساد هذا الاختصاص، وان حكم العقل بالعقل بالقبح في صورة مصادفة القطع للواقع وصورة مخالفته له على حد سواء إذ ملاكه - وهو هتك المولى والجرأة عليه - موجود في كلتا الصورتين - ان هذا الحكم غير قابل للبعث والمحركية أصلا، إذ من مبادئ قدرة المكلف على الامتثال المعتبرة في صحة التكليف هو الالتفات إلى الموضوع.
والالتفات إلى هذا العنوان - أي القطع المخالف للواقع - مساوق لزواله، نظير الالتفات إلى النسيان، فكما لا يمكن توجيه التكليف إلى الناسي بعنوان الناسي إذا الالتفات شرط للتكليف ومع الالتفات إلى كونه ناسيا ينقلب النسيان إلى الذكر، وينتفى الموضوع، كذا لا يمكن تكليف القاطع بعنوان مخالفة قطعه للواقع، إذ مع عدم الالتفات لا يصح التكليف، ومع الالتفات إلى مخالفة قطعه للواقع يزول القطع.
وأما لو كان القبح المتوهم استتباعه للحكم الشرعي عاما شاملا للتجري والمعصية بجامع الهتك والجرأة على المولى، كان جعل الحكم الشرعي مستلزما للتسلسل، إذا التجري أو العصيان قبيح عقلا على الفرض، وقبحهما يستتبع الحرمة الشرعية، وعصيان هذه الحرمة أو التجري فيها أيضا قبيح عقلا. والقبح العقلي مستلزم للحرمة الشرعية، وهكذا إلى ما لا نهاية له.
فتحصل ان حكم العقل - بقبح العصيان والتجري وبحسن الإطاعة والانقياد - لا يستلزم حكما شرعيا مولويا، بل لا يمكن جعل الحكم في مورده على ما عرفت، ولذا حملوا الأوامر الشرعية - الدالة على وجوب الإطاعة، والنواهي الشرعية الدالة على حرمة المعصية - على الارشاد دون المولوية.
وقد ظهر مما ذكرناه الكلام في المقام الثاني، وهو ان التجري هل يوجب استحقاق العقاب من جهة كونه جرأة على المولى وهتكا لحرمته مع بقاء الفعل