وحسن الفعل عقلا يستتبع وجوبه شرعا لقاعدة الملازمة - فهي غير تامة.
وقاعدة الملازمة أجنبية عن المقام.
(بيان ذلك): أن حكم العقل إنما هو بمعنى ادراكه ليس إلا، (فتارة) يدرك ما هو في سلسلة علل الأحكام الشرعية من المصالح والمفاسد، وهذا هو مورد قاعدة الملازمة، إذا العقل لو أدرك مصلحة ملزمة في عمل من الأعمال، وادراك عدم وجود مزاحم لتلك المصلحة، علم بوجوبه الشرعي لا محالة، بعد كون الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد. وكذا لو أدرك مفسدة ملزمة بلا مزاحم، علم بالحرمة الشرعية لا محالة. لكن الصغرى لهذه الكبري غير متحققة أو نادرة جدا، إذ العقل لا يحيط بالمصالح الواقعية والمفاسد النفس الامرية والجهات المزاحمة لها، ولذا ورد في الروايات ان دين الله لا يصاب بالعقول وانه ليس شئ أبعد عن دين الله من عقول الرجال. و (أخرى) يدرك العقل ما هو في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية، كحسن الإطاعة وقبح المعصية، فان هذا الحكم العقلي فرع ثبوت الحكم الشرعي المولوي وحكم العقل بقبح التجري وحسن الانقياد من هذا القبيل، فقاعدة الملازمة أجنبية عنه، فلا دليل على أن حكم العقل بقبح التجري يستلزم الحرمة الشرعية، بل لنا ان ندعي عدم امكان جعل حكم شرعي مولوي في المقام، إذا لو كان حكم العقل - بحسن الانقياد والإطاعة وقبح التمرد والمعصية - كافيا في اتمام الحجة على العبد، وفي بعثه نحو العمل وزجره عنه - كما هو الصحيح - فلا حاجة إلى جعل حكم شرعي مولوي آخر، وإن لم يكن كافيا، فلا فائدة في جعل حكم آخر، إذ هو مثل الحكم الأول، فيكون جعل الحكم لغوا يستحيل صدوره من الحكيم تعالى وتقدس.
هذا ولنا برهان آخر أبسط على عدم امكان جعل الحكم الشرعي في المقام وهو ان القبح - الذي يتوهم استتباعه للحكم الشرعي - لو كان مختصا بعنوان