ترتب المعلول على علته التامة.
و (أما الدعوى الثانية) ففيها انه لو سلمنا اختلاف التجري من حيث القبح، لا يمكن ان يكون الامر غير الاختياري رافعا لقبحه، لما ذكرناه سابقا من أن الجهات التي لها دخل في الحسن والقبح لابد من أن تكون من الأمور الاختيارية الملتفت إليها، ومصادفة الجهات الواقعية ليست من الأمور الاختيارية ولا مما يلتفت إليها المكلف.
و (أما الدعوى الثالثة) - ففيها ان استحقاق العقاب دائما يدور مدار هتك المولى والتعدي عليه بلا فرق في ذلك بين التجري والمعصية الواقعية، وليس في المعصية الواقعية إلا هتك واحد، فلا ملاك لتعدد العقاب حتى نلتزم بالتداخل، ولعله لوضوح أن العاصي لا يسحق الا عقابا واحدا. التزم صاحب الفصول بالتداخل مع الالتزام بتعدد الملاك. والصحيح انه لا تعدد في الملاك على ما عرفت، فلا تصل النوبة إلى التداخل.
(التنبيه الرابع) ظهر بما ذكرناه ان استحقاق العقاب انما هو على نفس التجري أعني الاتيان بالفعل المتجرى به، لا على العزم والاختيار كما افاده في الكفاية، فوقع في اشكال استلزامه العقاب على أمر غير اختياري، وأجاب عنه بأن العقاب من تبعات البعد عن المولى الناشئ من الشقاوة الذاتية التي هي نظير انسانية الانسان وحمارية الحمار، وغير قابلة للتعليل.
وبما ذكر ناه من أن العقاب انما هو على الفعل لا على القصد يندفع الاشكال من أصله. وأما ما ذكره من أمر الشقاوة الذاتية فقد تقدم الجواب عنه في بحث الطلب والإرادة بما لا مزيد عليه ولا نعيد، وذكرنا هناك ان الاختيار ليس أمرا غير اختياري، بل اختياري بنفسه، وغيره اختياري بالاختيار، إذ كل ما بالغير لابد من أن ينتهى إلى ما بالذات.