وهذا التوهم فاسد من أساسه، إذا هو مبني على القول بالسببية، وأن المجعول في مورد الطرق والامارات هي الاحكام، وهو فاسد لاستلزامه التصويب الباطل. والصحيح أن المجعول في باب الطرق والامارات هو الحجية والطريقية فقط على ما سيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى إذا عرفت ذلك فيقع الكلام في حكم التجري من حيث الحرمة واستحقاق العقاب، ولا بد من البحث في مقامين:
(المقام الأول) في البحث عن حرمة الفعل المتجرى به وعدمها.
(المقام الثاني) في البحث عن أن التجري هل يوجب استحقاق العقاب من جهة كونه هتكا وجرأة على المولى بنفسه، مع بقاء الفعل المتجرى به على ما هو عليه في الواقع من المحبوبية أو المبغوضية أم لا؟
(أما المقام الأول) فيقع الكلام فيه أيضا في جهتين: (الجهة الأولى) في البحث عن حرمة الفعل المتجرى به بنفس ملاك الحرام الواقعي، باعتبار شمول اطلاق الأدلة لما تعلق به القطع ولو كان مخالفا للواقع.
(الجهة الثانية) في البحث عن حرمة الفعل المتجرى به لا بملاك الحرام الواقعي، بل بملاك التمرد على المولى. والفرق بين الجهتين من حيث المفهوم - بعد اشتراكها في أن البحث في كل منهما بحث أصولي يتفرع عليه النتيجة الفقهية، وهي حرمة الفعل المتجرى به - هو أن الجهة الأولى هي البحث عن حرمة الفعل المتجرى به بعنوانه الأولي، والجهة الثانية هي البحث عن حرمته بعنوانه الثانوي وهو عنوان التمرد. ومن حيث المورد أن البحث في الجهة الأولى مختص بما إذا كان الخطأ في الانطباق، مع كون الحكم مجعولا في الشريعة المقدسة، كما إذا قطع بخمرية ماء فشربه، ولا يتصور فيما إذا كان الخطأ في أصل جعل الحكم، كما إذا قطع بحرمة شرب التتن فشربه، ولم يكن في الواقع حراما. بخلاف البحث في