الاحتمال الثاني أو الثالث، وهو غير ثابت ولا سيما الاحتمال الثاني، فإنه خلاف الظاهر، إذ عليه يكون ذكر الأمثلة من باب التنظير، وظاهر الكلام وسوق العبارة أن ذكر الأمثلة إنما هو من باب انطباق الكبرى على الصغريات، لا من باب التنظير.
وأما القرينة المختصة بغير الموثقة فهي قوله عليه السلام: (فيه حلال وحرام) فإنه ظاهر في الانقسام الفعلي، بمعنى ان يكون قسم منه حلالا وقسم منه حراما، ولم يعلم أن المشكوك فيه من القسم الحلال أو من القسم الحرام، كالمائع المشكوك في كونه خلا أو خمرا. وذلك لا يتصور الا في الشبهات الموضوعية كما مثلنا إذ لا تكون القسمة الفعلية في الشبهات الحكمية، وإنما تكون القسمة فيها فرضية إمكانية، بمعنى احتمال الحرمة والحلية، فانا إذا شككنا في حلية شرب التتن مثلا، كان هناك احتمال الحرمة والحلية، وليس له قسمان يكون أحدهما حلالا والآخر حراما، وقد شك في فرد أنه من القسم الحلال أو من القسم الحرام ويؤكد ما ذكرناه ذكر الحرام معرفا باللام في قوله عليه السلام: (حتى تعرف الحرام منه بعينه) فإنه إشارة إلى الحرام المذكور قبل ذلك الذي قسم الشئ إليه والى الحلال في قوله عليه السلام: (فيه حلال وحرام).
وقد يتوهم ان اشتمال هذه الرويات على التقسيم غير مانع عن شمولها للشبهات الحكمية، إذ يمكن تصور الانقسام الفعلي فيها أيضا، كما إذا علمنا بحلية لحم نوع من الطير كالدراج مثلا، وعلمنا بحرمة لحم نوع آخر منه كالغراب مثلا، وشككنا في حلية لحم نوع ثالث من الطير، فيحكم بحلية المشكوك فيه ما لم يعلم أنه حرام بمقتضى هذه الروايات، إذ يصدق عليه ان فيه حلالا وحراما.
وهذا التوهم فاسد. لأن الظاهر من قوله عليه السلام فيه حلال وحرام ان